للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهناك كلام في علم المصطلح حول قبول رواية التائب من الكذب، وفرقوا بين التائب من الكذب في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين التائب من الكذب في حديث الناس، والتفصيلات يرجع إليها في علم المصطلح.

لكن الذي يَسْمَعُ الكلام لأول مرة أن الذي كذب لا يُقبل حديثه، ولا تُقبل روايته هذا يتعلق بالرجال، أيضًا هو في خدمة المَتن في المقام الأول؛ ما دام كذب سينقل لنا خبرًا مكذوبًا فلن نقبله، المُبتدع الذي يدعو لبدعته لن نرده، وإنّما سنتوقف في قبول حديثه، نحن هنا توقفنا في قبول المتن بناءً على حالة الإسناد؛ ليتضح جليًّا أنّ حَالة الإسناد ترتبط بالمتن، وأنّ عُلوم الإسناد كانت في خدمة المتن.

مثلًا: مُبتدع ينقل حديثًا يتعلق ببدعته، ما الذي يجب علينا؟ سنتوقف في قبول الرواية حتى نتأكد من صدقه؛ لكن شيعي مثلًا ويروي حديثًا في فضل علي -رضي الله عنه- أو في ذم مُعاوية؛ لماذا لم نقل: نرد حديثه؟ قد يكون حديثه صحيحًا، لكننا على الأقل توقفنا حتى نتأكد من ورود الحديث من طُرق أخرى.

لكن الذي أُريد أن أقوله: هذا الذي نوضحه الآن أن دراسة الإسناد كانت للعناية بالمتن، هذا أمر لم يفقهه المستشرقون ومن دار في فلكهم، وتصورا أن هناك فصلًا كاملًا بين دراسة الإسناد وبين دراسة المتن، وأنّ المحدثين عنوا الأول دون الثاني، لا إنّما كانت العناية بالأول في خدمة الثاني؛ لأنّنا في النهاية -كما قلت- نَبْحَثُ عن صدق نسبة الحديث للنبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه متى صحت نسبته -صلى الله عليه وسلم- أصبح حديثًا صحيحًا، وأصبحنا مُلزمين بالعمل به، ولا يسع أي مسلم أبدًا أن يصح الحديث عنده، ولا يَعمل به، هذا غير وارد عند أمة الإسلام أبدًا.

إذًا كانت العناية بالإسناد لخدمة المتن، وهذا يرد على الفرية من أساسها بل يهدمها عند أي عقل رشيد، لو كان هناك بحث عن الحق، واستجابة له متى ظهر.

<<  <   >  >>