بعدها {مِنَ الْفَجْرِ}، والنبي -صلى الله عليه وسلم- وضح لهم يعني: في الرواية أن المراد بالخيط الأبيض هو بياض النهار، وأن المراد بالخيط الأسود هو سواد الليل، وأن الحد الفاصل بينهما أي: الذي ينتهي عنده سواد الليل، ويبدأ بياض النهار هو الفجر، ومن ثم فإن المسلمين يبدءون صومهم من الفجر.
إذن بعض الصحابة فهم أن المراد بالخيط الأبيض، أنه خيط أبيض فعلًا على ظاهر اللفظ، وأن المراد بالخيط الأسود هو الخيط الأسود، ويأتي بحبلين يربطهما أو بخيطين يربطهما في رجليه: الخيط الأبيض والخيط الأسود، ويظل يأكل حتى يستطيع أن يفرق بينهما أي: أن يفرق بين الخيط الأبيض والخيط الأسود، ومعنى ذلك أنه سيظل يأكل حتى يرتفع النهار كثيرًا؛ لكي يتمكن من التمييز بين الخيط الأبيض، والخيط الأسود، فبينت السنة المطهرة أن المراد بالخيطين: إنما هو بياض النهار وسواد الليل، ونزلت جملة {مِنَ الْفَجْرِ} لتبين أن التحديد الزمني، الذي يبدأ عنده انتهاء سواد الليل وابتداء بياض النهار، إنما هو الفجر، وكما قلنا: فإن الصوم يبدأ من الفجر ويستمر حتى المغرب.
إذن هذا مثال لتوضيح السنة لمشكل القرآن الكريم، أو لمبهم القرآن الكريم، كما قد يسميه البعض، أيضًا يعني يصلح كمثال لذلك، ما ذكرناه في تفسير الظلم في الآية بالشرك، آية الأنعام {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}(الأنعام: ٨٢).
قلنا يعني: تفسير الظلم بالشرك هو نوع من تخصيص عام القرآن، ولا بأس من أن يصلح المثال للأمرين معًا، فهو مثال يصلح لتفسير الظلم بالشرك، يصلح كنوع من أنواع التخصيص، ويصلح أيضًا لأن يكون مثالًا لتوضيح المبهم، أو لتوضيح المشكل من الألفاظ القرآنية، التي قد يصعب على بعض الأفهام أن تستوعبها للمرة الأولى، فتحتاج إلى من يوضحها له، وتقوم السنة المطهرة بهذا الأمر.