وحين كنا نتكلم في بعض دروسنا قلنا: إن المحدثين هم أول من بينوا أنه إذا الحديث باين المنقول أو خالف المعقول أو صادم الأصول فاعلم أنه موضوع، لم نكن بحاجة إلى من يعلمنا أنه كيف تفهم العقول النصوص، إنما من سابق عهدنا ونحن أبناء المدرسة الحديثية، ونحن أحد تلاميذها بفضل الله -عز وجل- ندرك جيدًا أن العقل له دَوْر في فهم النص، وهذا يجعلني أشير بسرعة قبل أن أتكلم عن هذا الحديث، وعن الشبهات التي أثاروها حوله- إلى علاقة العقل بالنص، العقل دوره هو فهم النص، ولا يشرّع مع النص، العلاقة الواضحة الجلية والتي صاغها علماؤنا في القاعدة المعروفة: لا اجتهاد مع النص، النص يقول شيئًا وأنت تقول شيئًا آخر؛ هذا مرفوض، إنما يعمل عقلك في فهم النص في ضوء القواعد المقررة عند العلماء في فهم النصوص، وأن يستنبط منها الأحكام وأن يدرك العلاقات إلى ذلك، فهذا ما لم يمنعه أحد أبدًا، نحن الذين لم نفهم الفرق بين الأمرين؛ بين الاجتهاد في النص والاجتهاد مع النص.
وكمثال توضيحي ضربناه مرارًا قلنا مثلًا:{أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء}(النساء: ٤٣) ملامسة النساء ناقضة للوضوء، لا أحد يقول غير ذلك، وإذا قال أحد غير ذلك فإنه يصادم النص، يقول مع النص، يجتهد مع النص، أما أن تجتهد العقول في فهم المراد بالملامسة، فهذا هو الاجتهاد في فهم النص، وقد أعمل الصحابة عقولهم في فهم النص، في قصة مشهورة جدًّا قصة الصلاة في بني قريظة:((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قُريظة)) هذا نصٌّ لا يستطيع أحد أن يخالفه، لكن كيف نحققه؟ كيف نطبقه؟
هذا هو الاجتهاد في الفهم، فريق صلى في الطريق، وفهم أن المراد من النص هو الإسراع، وليس المراد تأجيل الصلاة حتى تخرج عن وقتها؛ لأنهم يعلمون من