الزعم لم يشفع لهم حين وضع على محك الاختبار العملي، حين امتحنوا في هذا الكلام الذي قالوه: إنهم آمنوا بالله، وآمنوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وآمنوا بما أنزل إليه، مقتضى هذا الإيمان: أن يستجيبوا لما جاء به، وأن يتمثلوا لحكمه وأوامره ونواهيه، لكنهم أردوا أن يحتكموا إلى الطاغوت، ولم يستجيبوا لمن حاول أن يبصرهم ويبين لهم خطورة المسألة، وأن ذلك متعارض مع الإيمان؛ ولذلك في نهاية الأمر سماهم القرآن الكريم منافقين، خلع عنهم وصف الإيمان، وكما قلنا: لم يشفع لهم زعمهم بأنهم آمنوا بما أنزل إليك، وما أنزل من قبل.
ونستمر مع الآيات في سورة النساء، وبعد هذه الآية بآيات قليلة {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإذا اللَّهِ}(النساء: ٦٤) قضية خطيرة جدًّا؛ الأصل في الرسل أن يطاعوا وهي هنا قضية أو صياغة خبرية، الله تعالى يخبر أن الأصل في الرسل أن يطاعوا، لكن المراد بها الإنشاء، يعني: هي أمر من الله تعالى أن نطيع الرسل، ليس في حق نبينا -صلى الله عليه وسلم- فحسب، بل هي قضية في شأن الأنبياء جميعًا، كل الرسل لابد أن يطاعوا؛ لأنهم إنما جاءوا لخير البشر، ولهداية البشر، ولإنقاذ البشر من الهلكة، فلابد أن يطاعوا، أو يجب أن يطاعوا، الذين يخالفون سيتحملون نتيجة مخالفتهم.
إذا هي قاعدة إيمانية {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإذا اللَّهِ}(النساء: ٦٤) جاء القرآن الكريم بها في صيغة الخبر رغم أن الأمر بها أو أن المراد بها إنشاء، بمعنى: أنها صيغة خبرية؛ ليبين الله لنا كأن الخلق عرفوا مهمة الأنبياء، وأنهم جاءوا لهدايتهم ولصالحهم فاستجابوا لهم، لكنا المراد هو الإنشاء، يعني: استجيبوا لكل الرسل إذا جاءوكم؛ لأنهم إنما جاءوا لخيركم، ومصلحتكم في الدنيا والآخرة.