للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١_أن القول بأن كل مجاز كذب يجوز نفيه ليس صحيحاً: وإنما يكون المجاز كذباً لو أثبت المعنى على التحقيق لا على المجاز، أي أنه إذا أطلق القمر مثلاً على إنسان بهي الطلعة يكون كذباً لو ادُّعي أنه القمر الذي في السماء حقاً.

ولا ريب أن هذا ليس بمرادٍ في المجاز، وإنما المراد تشبيهه به في البهاء والحسن، فأين الكذب؟ !

وكذلك قولنا للبليد (حمار) ليس المقصود بأنه حمار في الشكل والخلقة وإلا لصح أن ينفى ويقال: ليس هو بحمار بل هو إنسان؛ فالنفي هنا مُنصب على إرادة الحقيقة لا على المعنى المجازي، وهذا لا يسمى كذباً؛ لأن المتكلم جاء بقرينة تبين مراده، وترفع اللبس، ثم أن البلاغيين حرصوا في مصنفاتهم على أن يبينوا الفرق بين المجاز والكذب؛ فهم متفقون على أن المجاز ليس كذباً؛ لأن التجوُّز يضع بين يدي المجاز قرينة تصرف عن إرادة المعنى الأصلي للفظ.

أما الكذب فإن الكاذب يحرص فيه على إخفاء حاله؛ ترويجاً للكذب الذي يريده.

ولقد عني البلاغيون بالقرائن عناية بالغة، واستنبطوها من كلام العرب، وفصلوا فيها القول تفصيلاً؛ فإذا خلا المجاز من القرائن كان الكلام فاسداً لعدم دلالته.

٢_أن القول: بأن المجاز ذريعة إلى نفي الصفات الإلهية، وتأويلها ليس مسوغاً لنفي المجاز؛ ذلك أنه لا حجة لهؤلاء النفاة المعطلة فيما ذهبوا إليه.

وإنما هم أصحاب هوى وضلال، ومن كانت هذه حاله ركبه كل صعب وذلول في سبيل هواه، فاستدلالهم بالمجاز على نفي الصفات استدلال فاسد، فنحن نجعله حجة عليهم لا لهم؛ فيقال لهؤلاء النفاة المعطلة: إن الأصل في الكلام أن يحمل على حقيقته وظاهره المتبادر ما لم تقم قرينة توجب صرفه عن هذه الحقيقة، وذلك الظاهر لنا.

ثم إن الناس متعبدون باعتقاد الظاهر من أدلة الكتاب والسنة ما لم يمنع مانع.

<<  <  ج: ص:  >  >>