وبناء على ذلك يقال لهؤلاء النفاة: إن النصوص الصحيحة القطعية أثبتت صفات الكمال لله تعالى كصفة الكلام، واليد، والاستواء، والنزول، والعلو، والساق، والقَدم، والضحك، والأصابع.
والنصوص الواردة في ذلك لا تظفر فيها بأي قرينة تنقلها عن معانيها الحقيقية التي دلت عليها؛ فهي صفات حقيقية ثابتة للرب سبحانه على ما يلين به.
وادعاء هؤلاء المعطلة أن إثبات الصفات يلزم منه التمثيل، وأن القرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي هي تنزيه الله سبحانه عن مماثلة المخلوقين ادعاء باطل متهافت، ظاهر السقوط؛ إذ لا يلزم من إثبات الصفات لله تمثيله وتشبيهه بخلقه؛ فللخالق سبحانه صفات تليق به، وللمخلوق صفات تليق به.
ثم إن مجيء نصوص الصفات متكاثرة يقطع بأن المراد منها معانيها الحقيقية ويدرأ عن تلك النصوص أن تكون مجازية أنها لا تقبل دعوى المجاز من جهة اللغة نفسها، وتراكيب الكلم فيها؛ فهي تأبى أن تبارح المعنى الحقيقي.
ونمثل بهذا المثال وهو قوله سبحانه:[وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً](النساء:١٦٤) .
فلا يجوز أبداً أن يقال: إن الكلام في هذه الآية مجازي، لأن الفعل (كلَّم) أُكِّد بالمصدر (التكليم) الدال على النوع.
وقد نقل أبو جعفر النحاس (ت ٣٣٨) إجماع النحاة على أن الفعل إذا أكد بالمصدر لم يكن مجازاً، بل هو حقيقة قطعاً.
ومما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية×في قوله سبحانه وتعالى:[لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيََّ](ص: ٧٥) أنه قال: =لا يجوز أن تفسر بالقدرة؛ لأن القدرة صفة واحدة، ولا يُعَبَّر بالاثنين عن الواحد، ولا يجوز أن يراد به النعمة؛ لأن نعم الله تعالى لا تحصى.
وإذا أضيف الفعل إلى الفاعل، وعُدِّي الفعل إلي اليد بحرف الباء كقوله تعالى:[لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ](ص: ٧٥) فإنه نصٌّ على أنه فعل الفعل بيديه.