وفي المقابل لا يجوز لنا أن نسب على هؤلاء العلماء، أو أن نتهمهم في دينهم، فلكل جواد كبوة، وقد أخطأ العلماء القدامى في مسائل كثيرة قد لا يقع في بعضها طالب علم مبتدئ، فلا شك أن كل ابن آدم خطاء. ولا بد من كلمة حق هنا: لأن الكثير من طلاب العلم نراهم والأمر يصل بهم إلى مسبة هؤلاء العلماء الذين أباحوا سماع الموسيقى، فأنا أقول: هل لهؤلاء العلماء من أغراض دنيوية يجنوها من هذه الفتاوى؟ الجواب: قطعا لا. وليست هذه بالفتوى السياسية التي تخدم هوى الحاكم، حتى يتهموا بذلك. فبقي الأمر أن هؤلاء العلماء يبحثون عن الحق، فهم معذورون. والمشكلة في أهل الهوى من الناس أنهم لا يأخذون الفتوى كما تخرج من العالم، بل ويكذبون عليها ألف كذبة كحال الشيطان عندما يسترق السمع من السماء. فإذا سمع الناس بفتوى تبيح الغناء أخذوها على إطلاقها، ولا يكلف الواحد منهم نفسه بالنظر إلى الفتوى، فإنهم يأخذون طرف الفتوى ويزيدون عليها= = التبرج والاختلاط وربما شربوا الخمور في هذه الحفلة كل ذلك لأن الفتوى تبيح لهم سماع الموسيقى. فأي غناء أباحته الفتوى؟ أهو الغناء الذي يهدم الأخلاق ويزعزع القيم؟ أم هو الغناء الذي يحتوي على كلمات كفرية هدامة؟ ويا ليت طلاب العلم الصغار أمثالنا أن يتنبهوا من هفوات العلماء، ولا يقولوا بقول من أخطأ منهم. فقبل أن يصدر الإنسان الفتوى فعليه أن يعلم أنه قد يكون الحظر أولى من الإباحة، وإن كان ترجح لديك الإباحة بالأدلة لأن الإباحة قد تجر ما هو محظور. ملاحظة: كتبت الصحافة وتناقلت وسائل الإعلام أنه بعد فتوى الطنطاوي بإباحة فوائد البنوك قد سكبت مئات الملايين من الأموال في البنوك. فكثير من الناس يريدون طرف خيط ليقعوا في الحرام بفتوى يتعلقون بها توافق أهواءهم ورغباتهم. وأنا أرى أن القول بحل الغناء: يجلب على الشباب الدمار الذي ما بعده عمار، لما نراه من تعلقهم به تعلقا كبيرا حتى أفقدهم كثيرا من أمور حياتهم المهمة. حدثني شاب: أنه لم يصبر بعد وفاة والده إلا ثلاثة أيام (أيام العزاء): وفي اليوم الرابع كان يسمع الأغاني. فهل يكون حاله إلا كحال مدمن الخمر؟ ولكنه مدمن: غناء. فكيف لو قلنا لهذا: إن الغناء حلال، بل وينعش القلب، ماذا سيكون حاله؟