للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَيظْهر جهلهم وضلالهم بظهوره، فَإِذا وجدت حُكُومَة إسلامية جرئية كالحكومة التركية الْحَاضِرَة تحيي الْعلم الاجتهادي، فَإِنَّهَا تَجِد مُنْذُ الْآن سداداً من عوز لما تحْتَاج إِلَيْهِ من الْأَحْكَام وللتعليم فِي الْمدرسَة الاجتهادية الَّتِي اقترحنا إنشاءها فِي الْمَسْأَلَة (رقم ٢٦) على أَن مقلدة الْمذَاهب لَا تكَاد تطلب الْحُكُومَة مِنْهُم شَيْئا إِلَّا ونجد فيهم من يفتيها وَلَو بالتأويل وَالْخُرُوج عَن صَحِيح الْمَذْهَب.

إِذن لَا يُمكن خُرُوج الْأمة الإسلامية من جُحر الضَّب الَّذِي دخلت فِيهِ إِلَّا بِالِاجْتِهَادِ وَوُجُود الْمُجْتَهدين وَمَا يلْزمه من وجود الْإِجْمَاع الأصولي الَّذِي هُوَ إِحْدَى الْحجَج عِنْد الْجُمْهُور، وَإِن شِئْت قلت هُوَ ركن الاشتراع الركين الَّذِي لَا يُمكن أَن ترتقي أمة وَلَا يَنْتَظِم أَمر حُكُومَة بِدُونِهِ كَمَا قُلْنَا فِي صدر هَذِه الْمَسْأَلَة، بل وجود الْإِمَامَة الْحق يتَوَقَّف على هَذَا الِاجْتِهَاد كَمَا علم مماتقدم، وَإِن اجْتِمَاع الْمُجْتَهدين فِي هَذَا الْعَصْر ممهد السَّبِيل موطأ الأكناف لِإِمْكَان الْعلم بهم ودعوتهم إِلَى الِاجْتِمَاع فِي مَكَان وَاحِد أَو عرض الْمسَائِل عَلَيْهِم أَيْنَمَا وجدوا، وَهَذَا لم يكن مُمكنا فِي عصر أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَمن بعدهمْ وَلذَلِك فَقَالَ بعض الْمُحَقِّقين: إِن الْعلم بِالْإِجْمَاع إِن وجد غير مُمكن.

تَأْثِير الْإِمَامَة فِي إصْلَاح الْعَالم الإسلامي:

الْعَالم الإسلامي فِي غمَّة من أَمر دينه وَأَحْكَام شَرِيعَته، تتنازعه أهواء حكامه المختلفي الْأَدْيَان والمآرب، وآراء علمائه ومرشديه المختلفي الْمذَاهب والمشارب، ومساورة أعدائه فِي دينه ودنياه، وَلَيْسَ لَهُ مصدر هِدَايَة عَامَّة مُتَّفق عَلَيْهِ فَيرجع إِلَيْهِ فِيمَا عمى عَلَيْهِ، وَكلما ظهر فِيهِ مصلح هَب أهل الْأَهْوَاء المفسدون يصدون عَنهُ، ويطعنون فِي دينه وَعلمه، وَلَا علاج لهَذِهِ الْمَفَاسِد والضلالات إِلَّا إحْيَاء منصب الْإِمَامَة، وَإِقَامَة الإِمَام الْحق المستجمع للشروط الشَّرْعِيَّة، الَّذِي يقوم مَعَ أهل الْحل وَالْعقد بأعباء الْخلَافَة النَّبَوِيَّة، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يذعن كل مُسلم لوُجُوب طَاعَته فِيمَا يصدر عَنهُ من أُمُور الْإِصْلَاح الْعَامَّة بِقدر الِاسْتِطَاعَة، ويرجح إرشاده على إرشاد غَيره فِي الْأُمُور الْخَاصَّة، إِذْ يكون أَجْدَر ببيانها بِالْحجَّةِ الْوَاضِحَة فَإِذا لم تكن الْإِمَامَة كَذَلِك كَانَ حكم الشَّرْع فِيهَا أَنَّهَا سلطة تغلب، وَلَا تجب طَاعَة المتغلب شرعا وَلَو

<<  <   >  >>