" إِن أخونكم عندنَا من يَطْلُبهُ " فَلم يستعن بهما فِي شَيْء حَتَّى مَاتَ. . وَسبب هَذَا الْمَنْع الْقطعِي الْمُؤَكّد بالقسم أَن طلاب الولايات وَلَا سِيمَا أَعْلَاهَا وَهِي الْإِمَامَة والحريصون عَلَيْهَا هم محبو السلطة للعظمة والتمتع والتحكم فِي النَّاس، وَقد ظهر أَنهم هم الَّذين أفسدوا أَمر هَذِه الْأمة وأولهم من الْجَمَاعَات بَنو أُميَّة وَإِن كَانَ فيهم أَفْرَاد، بل مِنْهُم رجل الرِّجَال وَوَاحِد الْآحَاد - عمر بن عبد الْعَزِيز خَامِس الرَّاشِدين - وَلكنه لم يكن حَرِيصًا على الْإِمَامَة وَلَو أمكنه لأعادها إِلَى العلويين.
وَذكر الْحَافِظ فِي شرح الحَدِيث الْمَذْكُور آنِفا كلمة حق عَن الْمُهلب قَالَ: الْحِرْص على الْولَايَة هُوَ السَّبَب فِي اقتتال النَّاس عَلَيْهَا حَتَّى سفكت الدِّمَاء واستبيحت الْأَمْوَال والفروج وَعظم الْفساد فِي الأَرْض بذلك. وهنالك أَحَادِيث أُخْرَى. .
وَلَو حَافظ الْمُسلمُونَ على أصل الشَّرْع الَّذِي قرر فِي عهد الرَّاشِدين فِي أَمر الْخلَافَة لما وَقعت تِلْكَ الْفِتَن والمفاسد ولعم الْإِسْلَام الأَرْض كلهَا. . وَقد قَالَ عَالم ألماني لشريف حجازي فِي الآستانة: إِنَّه كَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نضع لمعاوية تمثالاً من الذَّهَب فِي عواصمنا، لِأَنَّهُ لَو لم لم يحول سلطة الْخلَافَة عَمَّا وَضعهَا عَلَيْهِ الشَّرْع وَجرى عَلَيْهِ الراشدون لملك الْعَرَب بِلَادنَا كلهَا وصيروها إسلامية عَرَبِيَّة. .
إِمَامَة الضَّرُورَة والتغلب بِالْقُوَّةِ:
اتّفق محققو الْعلمَاء على أَنه لَا يجوز أَن يُبَايع بالخلافة إِلَّا من كَانَ مستجمعا لما ذَكرُوهُ من شرائطها وبخاصة الْعَدَالَة والكفاءة والقرشية، فَإِذا تعذر وجود بعض الشُّرُوط تدخل الْمَسْأَلَة فِي حكم الضرورات. . والضرورات تقدر بِقَدرِهَا، فَيكون الْوَاجِب حِينَئِذٍ مبايعة من كَانَ مستجمعا لأكْثر الشَّرَائِط من أَهلهَا، مَعَ الِاجْتِهَاد