أما الاعتداء على عمر وَقَتله فَلم يكن من حسد الْمُسلمين وَلَا من كراهتهم لَهُ، وَلَا من طمع أحد فِي أَن يخلفه، بل كَانَ من جمَاعَة الْمَجُوس السّريَّة انتقاماً مِنْهُ لفتحه لبلادهم، وإسقاطه لملكهم، وَأما التَّعَدِّي على عُثْمَان وَقَتله فقد كَانَ بدسائس الْفرس وَعبد الله بن سبأ الْيَهُودِيّ، وَلَوْلَا هَاتَانِ الفتنتان لما وصل الشقاق بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة إِلَى مَا وصل إِلَيْهِ، كَمَا يعلم ذَلِك كل مدقق فِي التَّارِيخ. .
اتَّسع ملك الْإِسْلَام وَكثر خصومه من زعماء الْملَل والشعوب الَّذين أَزَال عظمتهم واستمتاعهم بِملك بِلَادهمْ، وساوي بَينهم وَبَين عبيدهم فِي الْحُقُوق وكل أقوامهم كَانُوا عبيدا لَهُم، وَلم يكن الْوَازِع الديني فِيمَن دخلُوا فِيهِ من هَذِه الشعوب مثله فِيمَن فهموه حق الْفَهم من الْعَرَب، وَلم تكن كل بطُون الْعَرَب كالسابقين الْأَوَّلين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وَلم يكن من السهل إِيجَاد نظام لقُوَّة الْخلَافَة تخضع لَهُ كل هَذِه الْأُمَم والشعوب فِي الْخَافِقين مَعَ بعد الشقة وصعوبة المواصلات، فَلهَذَا سهل على السبئيين وَالْمَجُوس بَث الْفِتَن لِلْإِسْلَامِ وللعرب، وعَلى مُعَاوِيَة تأليف جَيش فِي الشَّام يُقَاتل بِهِ الإِمَام الْحق أَمِير الْمُؤمنِينَ، ثمَّ جعل خلَافَة النُّبُوَّة ملكا عَضُوضًا كملك الغابرين. .
سنة التغلب وعواقبها، وإفساد الْأَعَاجِم لحكم الْإِسْلَام الْعَرَبِيّ:
فتح مُعَاوِيَة للأقوياء بَاب التغلب فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يهرعون، وَلم يثبت ملك الأمويين مَعَه قرنا وَاحِدًا كَامِلا، وَلما كَانَ الْإِسْلَام قد أبطل عصبية الْعَرَب الجنسية احْتَاجَ العباسيون إِلَى أَن يستعينوا على الأمويين بعصبية الْأمة الفارسية، وَكَانَ للزنادقة وَالْمُنَافِقِينَ من هَؤُلَاءِ مكايد خُفْيَة، يُرِيدُونَ أَن يديلوا للْفرس من الْعَرَب، وللمجوسية من الْإِسْلَام، ولأجلها بثوا فِي الْمُسلمين التَّفْرِقَة بالغلو فِي آل الْبَيْت توسلا لِلطَّعْنِ فِي جُمْهُور الصَّحَابَة؛ ليفرقوا كلمة الْعَرَب ويبعدوا بهم عَن أصُول الْإِسْلَام الشورى (الديمقراطي) وينشئوا فِيهِ حُكُومَة (أتوقراطية) مُقَدَّسَة أَو معبودة،