الْإِسْلَام مِنْهُم إِلَّا قَلِيل من المقلدين، وَلِهَذَا جعلُوا سلطة سلاطينهم شخصية مُطلقَة. حَتَّى بعد تحليتهم بلقب الْخلَافَة، فَلَمَّا صَارُوا يدرسون تَارِيخ أوروبة وقوانينها، وثوراتها على حكوماتها لإِزَالَة استبدادها، ظنُّوا أَنه لَا سَبِيل لتقييد استبدادهم وَمنع ظلمهم إِلَّا بتقليد أوروبة فِي شكل حكوماتها الملكية الْمقيدَة، ثمَّ رجحوا فِي هَذَا الزَّمن الجمهورية لأَنهم رَأَوْا أَن جعل السُّلْطَان مقدسا غير مسئول كَمَا قرروه فِي قانونهم الأساسي لم يَفِ بالغرض، وَلَو درسوا الشَّرِيعَة دراسة استقلالية كَمَا يدرسون القوانين لوجدوا فِيهَا مخرجا أوسع وَأفضل من القانون الأساسي السَّابِق، وَمن الْخلَافَة الروحية وحكومة الجمعية الوطنية الْحَاضِرَة.
أسس مدحت باشا وأعوانه الدستور العثماني فمزق السُّلْطَان عبد الحميد شملهم وداس دستورهم مُدَّة ثلث قرن كَانَ فِيهَا الْحَاكِم الْمُطلق الَّذِي لَا راد لأَمره، وَلَا معقب لحكمه، وَالشَّرْع والقانون تَحت إِرَادَته، منتحلا لنَفسِهِ مَا اخْتصَّ بِهِ رب الْعِزَّة نَفسه دون خلقه، بقوله تَعَالَى {لَا يُسئل عَمَّا يفعل وهم يُسئلون} وَالنَّاس فِي المملكة العثمانية ومصر وتونس والهند يَقُولُونَ: قَالَ الْخَلِيفَة الْأَعْظَم وَفعل الْخَلِيفَة الْأَعْظَم، فَإِن قَالَ أحد العثمانيين المظلومين فِي أنفسهم وَفِي أمتهم ووطنهم، إِنَّه أَسَاءَ وظلم، لعنوه وحكموا عَلَيْهِ بالخيانة أَو بالْكفْر، فَكَانَ هَذَا سَببا لاعتقاد هَؤُلَاءِ المتفرنجين من التّرْك أَن منصب الْخلَافَة نَفسه عقبَة فِي طَرِيق مَا يَبْغُونَ من تَقْلِيد أوروبة فِي شكل حكوماتها الْمقيدَة، من حَيْثُ إِن الْخَلِيفَة يجب أَن يطاع مُطلقًا وَلَا يجوز أَن يعْصى، وَلَا أَن يُقيد بقانون، وَمن حَيْثُ إِن رياسته للدولة تجعلها مضطرة لمراعاة أَحْكَام الشَّرِيعَة الإسلامية فِي السياسة والإدارة وَالْقَضَاء والتعليم، وَإِلَى تعلم اللُّغَة الْعَرَبيَّة الَّتِي يتَوَقَّف عَلَيْهَا فهم الشَّرِيعَة، وَهَذِه قيود تنَافِي مَا يَبْغُونَ تَقْلِيد الإفرنج فِيهِ لاستقلال أمتهم التركية، بِجعْل سلطتها فِي الحكم والدولة لَهَا، لَا تتقيد فِيهِ بِقَيْد مَا من شَرِيعَة أُخْرَى، وَلَا لُغَة أُخْرَى، وَهُوَ مَا يعبرون عَنهُ " بالحاكمية الملية ". .
إحْيَاء الجنسية الطورانية:
عزم هَؤُلَاءِ المتفرنجون على إحْيَاء الجنسية التركية الطورانية وَجعلهَا مُسْتَقلَّة أتم الِاسْتِقْلَال فِي الحكم والتشريع، والعقائد والآداب، غير مُقَيّدَة فِيهِ بِقَيْد مستمد من أمة أُخْرَى، بل أَقُول بلغَة صَرِيحَة نصيحة: غير مقيدين فِيهِ بالشريعة الإسلامية