ثمَّ ذكر المؤرخ من عَاقِبَة هَذَا مَا وصل إِلَيْهِ أَمر الْخُلَفَاء بعد ذَلِك مَعَ السلاطين إِذْ كَانُوا كآحاد الوجهاء فِي رِكَابهمْ. . وَمَا كَانَ يَفْعَله أَمْثَال ذَلِك الْملك الْجَاهِل المتملق، وكل مَا ذكر من تِلْكَ الْهَيْئَة مُنكرَات فِي الْإِسْلَام. فتقبيل الأَرْض أَشد تذللا من الرُّكُوع وَالسُّجُود \، وَقد صحت الْأَحَادِيث فِي النَّهْي عَن التَّشَبُّه بالأعاجم فِي كبريائهم وبذخهم، حَتَّى فِي الْوُقُوف على رُءُوس مُلُوكهمْ أَو بَين أَيْديهم. .
إضراب الْمُسلمين فِي حكوماتهم
وَأما سَبَب وُقُوع ذَلِك الِاضْطِرَاب وَطول الْعَهْد عَلَيْهِ فَهُوَ أَن التطورات الاجتماعية كَانَت تقضي بِوُقُوع مَا وَقع من التَّصَرُّف فِي شكل الْحُكُومَة الإسلامية، وَلم يكن يُمكن فِي تِلْكَ الْأَزْمِنَة أَن يوضع لَهَا نظام يكفل أَن تجْرِي على سنة الرَّاشِدين، وَلَا طَريقَة أَوَائِل الأمويين والعباسيين، فِي الْجمع بَين عَظمَة الدُّنْيَا ومصالح الدّين، وَلما صَار هَذَا مُمكنا كَانَ أَمر الدّين قد ضعف، وتلاه فِي جَمِيع الشعوب الإسلامية ضعف حكوماتها، وَضعف حضارتها، فَلم تهتد إِلَى مثل مَا اهْتَدَى إِلَيْهِ الإفرنج من الْقَضَاء على استبداد مُلُوكهمْ شعبًا بعد شعب، فَمنهمْ من قضى على الْحُكُومَة الملكية قَضَاء مبرما، وَمِنْهُم من قيد سلطة الْمُلُوك فَلم يدع لَهُم من الْملك إِلَّا بعض الْمظَاهر الفخمة الَّتِي يُسْتَفَاد مِنْهَا فِي بعض الْأَحْوَال، دون أَن يكون لَهُم من الْأَمر وَالنَّهْي فِي الْحُكُومَة أدنى استبداد ...
ذَلِك بِأَن كل من يُعْطي تَصرفا فِي أَمر يجب أَن يكون مسئولا عَن سيرته فِيهِ، والتقاليد المتبعة فِي الْملك أَن الْملك فَوق الرّعية فَلَا يتطاولون إِلَى مقَامه الْأَعْلَى لِيَسْأَلُوا عَمَّا فعل، وَهَذَا شَيْء أبْطلهُ الْإِسْلَام بجعله إِمَام الْمُسلمين كواحد مِنْهُم فِي جَمِيع أَحْكَام الشَّرِيعَة، وَنَصّ على أَنه مسئول عَمَّا يفعل بقوله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]