للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فعل بَنو الْعَبَّاس، وَقد مهد أَكثر الْعلمَاء السَّبِيل للاستبداد وَالظُّلم بِمثل هَذَا الْإِطْلَاق فِي الخضوع لأهلهما، وَقد تكَرر بَيَان التَّحْقِيق فِيهِ. .

ثمَّ قَالَ الْحَافِظ يتعجب من لعن مَرْوَان الغلمة الْمَذْكُورين مَعَ أَن الظَّاهِر أَنهم من وَلَده، فَكَأَن الله تَعَالَى أجْرى ذَلِك على لِسَانه ليَكُون أَشد فِي الْحجَّة لَعَلَّهُم يتعظون. . وَقد وَردت أَحَادِيث فِي لعن الحكم وَالِد مَرْوَان وَمَا ولد، أخرجهَا الطَّبَرَانِيّ وَغَيره، وغالبها فِيهِ مقَال وَبَعضهَا جيد، وَلَعَلَّ المُرَاد تَخْصِيص الغلمة الْمَذْكُورين بذلك ا. هـ وَقَوله من وَلَده يصدق على الْأَكْثَر وَإِلَّا فَإِن يزِيد بن مُعَاوِيَة أول من كَانَ يَعْنِي أَبُو هُرَيْرَة بالغلمة وَالصبيان. .

وَجُمْلَة القَوْل أَن مرادنا من هَذَا الْبَحْث بَيَان مفْسدَة إِخْرَاج الْخلَافَة الإسلامية عَمَّا وَضعهَا عَلَيْهِ الْإِسْلَام، وَجعلهَا تَابِعَة لقُوَّة العصبية والتغلب، فَهَذِهِ الْمفْسدَة هِيَ أصل الْمَفَاسِد والرزايا الَّتِي أَصَابَت الْمُسلمين فِي دينهم ودنياهم. . وَقد كررنا ذكرهَا لتحفظ وَلَا تنسى. .

وَمن أغرب الغرائب أَن قصر الْمُسلمُونَ عَن غَيرهم من أهل الْملَل الَّتِي كَانُوا قد فاقوها فِي الْعلم وَالْعَمَل بِأَن لم يقم أحد مِنْهُم بِعَمَل منظم لإعادة حكم الْإِسْلَام كَمَا بَدَأَ، بل رَضوا بالتفرق والانقسام، وَالظُّلم والاستذلال، من كل من تولى الْأَمر فِي قطر من أقطارهم، حَتَّى سهل عَلَيْهِم مثل ذَلِك من غَيرهم. . فَكَانُوا كَمَا قُلْنَا فِي الْمَقْصُورَة:

(من ساسه الظُّلم بِسَوْط بأسه ... هان عَلَيْهِ الذل من حَيْثُ أَتَى)

(وَمن يهن هان عَلَيْهِ قومه ... وَمَاله وَدينه الَّذِي ارتضى)

أفلم يَأْتهمْ نبأ مَا فعل البابوات، من تنظيم الجمعيات، وَجمع القناطير من الدَّنَانِير لأجل إِعَادَة سلطانهم الديني؟ إِلَّا أننا قلدنا غَيرنَا فِيمَا يضر، وَلم نقلد وَلَا استقللنا فِيمَا ينفع فِي هَذَا الْأَمر، وَلَا يزَال فِينَا من يَجِدُّ فِي نبذ مَا بَقِي من قشور سُلْطَان الْخلَافَة الإسلامية بعد ذهَاب لبابها، ويظنون أَن وجودهَا هُوَ الَّذِي أَضْعَف ملكنا، وَإِنَّمَا أضعفه ذهابها، فَإِن مَا نزال ندعيه مِنْهَا للمستبدين، كذب على الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين، وَلَو استمسكنا بعروتها الوثقى لَكنا سادة الْعَالمين، وَقد عرف هَذَا كثير من عُلَمَاء الْأَجَانِب وَلم يعرفهُ أحد من زعمائنا السياسيين. .

<<  <   >  >>