وَلَو كَانَ للْمُسلمين خَليفَة قَائِم بأعباء الْإِمَامَة الْعُظْمَى لما أهمل أَمر الدفاع عَن الْإِسْلَام والدعوة إِلَيْهِ، وَلما غلب على الدولة العثمانية من لَا علم لَهُم بِهِ، أَلَيْسَ من الْغَرِيب أنني لما وضعت مَشْرُوع الدعْوَة والإرشاد للْقِيَام بِهَذِهِ الْفَرَائِض الَّتِي هِيَ أول مَا يجب على إِمَام الْمُسلمين وجماعتهم لم يُوجد فِي وزراء الدولة وَلَا رؤسائها من تجرأ على إجَازَة هَذَا الِاسْم وَأَن الَّذين استحسنوا الْمَشْرُوع اتَّفقُوا على تَسْمِيَة جمعيته بِجَمَاعَة الْعلم والإرشاد، نعم إِن مستشار الصدارة قَالَ لحقى باشا الصَّدْر الْأَعْظَم أَمَامِي: إِذا نفذنا هَذَا الْمَشْرُوع أَلا نلقي مقاومة من الدول الْعُظْمَى؟ فَأَجَابَهُ: إِن لدولة البلغار مدرسة عندنَا لتخريج الدعاة إِلَى النَّصْرَانِيَّة أفتكون دولة الْخلَافَة فِي عاصمتها دون دولة البلغار حريَّة فِي دينهَا؟ وَلَكِن هَذَا الصَّدْر الْأَعْظَم لم ينفذ الْمَشْرُوع وَلم يساعدنا فِيهِ أدني مساعدة، وَإِنَّمَا اغتنمنا فرْصَة سفرة إِلَى إيطالية وسفر طلعت بك وَزِير الداخلية وزعيم الاتحادية إِلَى أدرنة لتقرير الْمَشْرُوع رسميا، وأعانني على ذَلِك انْعِقَاد مجْلِس الوكلاء برئاسة شيخ الْإِسْلَام مُوسَى كاظم أَفَنْدِي أحد أنصاره فَمَا زلت ألح عَلَيْهِ حَتَّى أصدر - رَحمَه الله - قرارا من الْمجْلس بتنفيذه، ثمَّ جَاءَ طلعت بك فأفسد الْأَمر. .
وَكَانَ الَّذِي يسمونه السُّلْطَان و (الْخَلِيفَة) فِي قفصه مَغْلُوبًا على أمره، لَا يكَاد يصحو من سكره، وَلَا ترجو المشيخة الإسلامية مِنْهُ قولا وَلَا عملا فِي هَذَا الْأَمر وَلَا غَيره، ولماذا كَانَ نُفُوذ مثل طلعت وكاظم أغلب عَلَيْهِ من نُفُوذ شيخ الْإِسْلَام وشيوخ دَار الْفَتْوَى؟ أَلَيْسَ لعجز الشُّيُوخ وأعوانهم عَن إدارة أُمُور الدولة وَعَن إِظْهَار كِفَايَة الشَّرِيعَة، وَعَن إِثْبَات أصُول الِاعْتِقَاد بهَا بِالْحجَّةِ. وَدفع كل مَا يرد عَلَيْهَا من شبهه؟ أَلَيْسَ لأَنهم غير متصفين بِمَا اشْتَرَطَهُ أَئِمَّة الشَّرْع فِي أهل الْحل وَالْعقد، من الْعلم والسياسة والكفاية والكفاءة؟
على أَن نُفُوذ عُلَمَاء الدّين فِي بِلَاد التّرْك أقوى مِنْهُ فِي مثل سورية ومصر، وَلَكِن خصومهم من المتفرنجين أقوى مِنْهُم، وكل من الْفَرِيقَيْنِ يعد الآخر سَبَب ضعف الدولة، وتقهقر الْأمة، وَالْحق أَن الذَّنب مُشْتَرك بَينهمَا، وَأَن نصب الإِمَام الْحق