للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومكانة مصر تلِي مكانة جَزِيرَة الْعَرَب فِي هَذَا الْأَمر لَو كَانَت مُسْتَقلَّة وأرادت إِقَامَة الْخلَافَة الشَّرْعِيَّة الصَّحِيحَة، وَلَكِن المتفرنجين فِيهَا كالمتفرنجين فِي التّرْك يَأْبَى أَكْثَرهم ذَلِك ويجهل قِيمَته. . والدولة البريطانية عدوة الْخلَافَة وَالْعرب تعَارض هَذَا وَذَاكَ بِكُل قواها، وَقد كَانَ نصرها التّرْك على مُحَمَّد عَليّ خوفًا من تجدّد شباب الْإِسْلَام بدولة عَرَبِيَّة، وَهِي تعتقد أَن التّرْك لَا يجددون حَيَاة الْخلَافَة الصَّحِيحَة أبدا وَلَا ينشرون دَعْوَة الْإِسْلَام، وَكَانَ هَذَا أحد أَسبَاب تأييدها لَهُم ولخلافتهم فِي الْجُمْلَة. . وكل مَا قيل من أَن الإنجليز كَانُوا يسعون لإِقَامَة خلَافَة عَرَبِيَّة فِي مصر أَو الْحجاز قبل الْحَرْب الْكُبْرَى فَهُوَ كذب مَحْض، وَلَو فعلت ذَلِك مصر لاتبعها الْحجاز حتما وَكَذَا سورية إِذا استطاعت، بل تتمنى هَذِه الأقطار اتباعها وَلَو بِدُونِ إِقَامَة الْخلَافَة فِيهَا، وَلَعَلَّ أهل السّنة وَكَثِيرًا من الشِّيعَة فِي الْعرَاق لَا يأبون هَذِه الْوحدَة الْعَرَبيَّة إِذا أمكنت. .

يظنّ بعض النَّاس أَنه ينقص الْبِلَاد الْعَرَبيَّة شَيْء أهم من هَذَا الْأَمر السلبي وَهُوَ الضعْف وفقد الشَّوْكَة الَّتِي يحْمُونَ بهَا الْخلَافَة ومقام الْخلَافَة، بله الْقُدْرَة على مَا يقدر عَلَيْهِ التّرْك من الْجِهَاد وَالْفَتْح. . وَهَذَا الظَّن بَاطِل فَإِن الْيمن وَحدهَا قد حفظت استقلالها ومنصب الْإِمَامَة فِيهَا أَكثر من ألف سنة، وَإِن التّرْك قَاتلُوا أَئِمَّة الْيمن زهاء أَرْبَعَة قُرُون وَمَا اسْتَطَاعُوا الْقَضَاء على إمامتهم وَلَا الِاسْتِيلَاء على جَمِيع بِلَادهمْ مَعَ كَثْرَة من ظَاهر التّرْك من أهل الْبِلَاد بِسَبَب اخْتِلَاف الْمَذْهَب. . وَلَوْلَا قُوَّة الْيمن لاستولى عَلَيْهَا الإنجليز من عهد بعيد كَمَا صرح بذلك أحد وُلَاة عدن مِنْهُم أَمَام زعيم عَرَبِيّ حضرمي قَالَ: لَوْلَا هَذَا الإِمَام الَّذِي عِنْده نصف مليون مقَاتل لَو قَالَ لَهُم ألقوا أَنفسكُم فِي النَّار أطاعوه - لاستولينا على جَمِيع جَزِيرَة الْعَرَب بِغَيْر قتال يذكر ...

هَذَا وَإِن جَزِيرَة الْعَرَب لَا يخْشَى عَلَيْهَا من غير الإنجليز، وَهَؤُلَاء لَا يحاولون فتحهَا بِالسَّيْفِ وَالنَّار لموانع كَثِيرَة. . مِنْهَا أَنهم لَا يُقَاتلُون شعبًا قَوِيا حَرْبِيّا بالطبع فِي بِلَاد وعرة كَثِيرَة الْجبَال والأودية، خَالِيَة من سِكَك الْحَدِيد وَسَائِر أَنْوَاع المواصلات، وَمِنْهَا أَن قتال أهل هَذِه الْبِلَاد كثير النَّفَقَات قَلِيل الرِّبْح، بل لَا ربح فِيهِ إِلَّا إِذا تيَسّر أَخذ الْبِلَاد وَأنْفق على الْإِصْلَاح فِيهَا ملايين كَثِيرَة نَقْدا لأجل الرِّبْح نَسِيئَة، وَإِنَّمَا يطمعون فِي الِاسْتِيلَاء عَلَيْهَا باصطناع أمرائها وكبرائها بالدسائس وَالدَّرَاهِم، والتدخل فِيهَا بحيل التِّجَارَة والامتيازات الاقتصادية بالتدريج، وَقد بذلوا فِي هَذِه

<<  <   >  >>