للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والعلوم والفنون الَّتِي تتَوَقَّف عَلَيْهَا هَذِه الْأَعْمَال، وَلما فاقهم أحد فِي فنون الحضارة، وزينة الدُّنْيَا وطيبات الْمَعيشَة، وهم يقرءُون فِي مُحكم كِتَابهمْ الْمنزل: {قل مَن حَرَّم زينةَ الله الَّتِي أَخْرجَ لِعِبَادِهِ والطيباتِ من الرزق؟ قل هِيَ للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة} . .

وَلَو جَاءَت هَذِه النهضة بهداية الْإِسْلَام - وَهُوَ أهل لما هُوَ أرقى مِنْهَا - لكانوا فِي المدنية أسْرع سيرا، وَأبْعد شوطا، وَلما احْتَاجَ إحْيَاء منصب الْخلَافَة إِلَى سعي ودأب، وَلَا لتأليف حزب، على أَن الشُّعُور الإسلامي من أقوى الْوَسَائِل المعنوية للنهضة، وَإِن كَانَ بعض العاملين فِيهَا لَيْسَ لَهُم حَظّ مِنْهُ، بل هم حَرْب لَهُ، بيد أَن أَكْثَرهم يعلم أَنهم لابد لَهُم من مراعاته ومداراة أَهله، لأَنهم سَواد الْأمة الْأَعْظَم إِلَى أَن يربوا جيلا جَدِيدا يغرسون فِي أنفس نشئة الشُّعُور الجنسي الْمَحْض، وَيكون هُوَ صَاحب الرَّأْي الْعَام فِي الشّعب. .

هَذَا مَا نعلمهُ بِالْخَيرِ، من أَمر النهضة فِي مصر وَالتّرْك، بل قيل لنا أَيْضا: إِن نهضة الأفغان الجديدة تغلب عَلَيْهَا صبغة المدنية لَا الصبغة الدِّينِيَّة، وهم أَشد الشعوب الإسلامية الناهضة تدينا، وأضعفهم تفرنجا، وَقد يَصح أَن يُقَال إِنَّهُم لَيْسُوا من التفرنج فِي شَيْء، فإننا نعني بِهِ الافتتان بتقليد الإفرنج فِي مظَاهر حياتهم وعاداتهم وشكل حكوماتهم، لَا الْعُلُوم والفنون والصناعات وَالنّظم الَّتِي راجت سوقها فِي هَذَا الْعَصْر عِنْدهم، بعد أَن كُنَّا نَحن أَحَق بهَا وَأَهْلهَا، فِي قُرُون طَوِيلَة كَانُوا فِيهَا محرومين مِنْهَا. . وَخير مَا بلغنَا عَن الأفغان فِي نهضتهم هَذِه أَنهم يعنون باقتباس الْفُنُون الزراعية والصناعية من أوربة دون الْفُنُون الأدبية والعلوم القانونية، فَإِن لَهُم فِي آدَاب الْإِسْلَام وشريعته غنى عَن ذَلِك. وَلَا سِيمَا إِذا سلكوا فِيهَا مَسْلَك الْعلم الاستقلالي الْمعبر عَنهُ بِالِاجْتِهَادِ، فالترقي الإسلامي يتَوَقَّف عَلَيْهِ فِي تجديده مِثْلَمَا توقف عَلَيْهِ فِي مبدئه. . كَمَا بدأنا وأعدنا مرَارًا وَلَا بُد من التّكْرَار الْكثير فِي مثل هَذَا. . وَلَو كَانَ الأفغان متصلين بِجَزِيرَة الْعَرَب وَجعلُوا الْعَرَبيَّة لغتهم الرسمية لكانوا أَجْدَر الشعوب الإسلامية بِالسَّبقِ إِلَى إحْيَاء منصب الْخلَافَة، على أَن الرَّجَاء فِي تجديدهم مَدَنِيَّة الْإِسْلَام فِي الشرق عَظِيم، وَلَا غرو، فموقظ الشرق وقائده فِي الْعَصْر قد خرج من بِلَادهمْ. .

<<  <   >  >>