للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالصَّلَاح، ويفشو الظُّلم وَالْفِسْق، وَيفتح حِينَئِذٍ أَبْوَاب الشَّرّ، ويستولى الَّذين لَا أصل لَهُم، وَلَا دين لَهُم، وَلَا صَلَاح لَهُم، على أهل الْحيَاء وَالصَّلَاح، وَالْعُلَمَاء، ويضيع الدّين، واحترام الْعلمَاء، والزهاد، وتزيد كل يَوْم الْبِدْعَة فِي الرّعية، ويتهمون النَّاس بِغَيْر حق، وَلَا يخَافُونَ وزره، ليَأْخُذ الْملك من النَّاس بسب تِلْكَ التُّهْمَة من أَمْوَالهم ومواشيهم، وَيَقَع فِي أَيْديهم شَيْء من ذَلِك الْحَرَام، ويتصرفون حِينَئِذٍ فِي أَمْوَال الْأَيْتَام والأوقاف، تَصرفا مُخَالفا للشَّرْع، وَيمْنَعُونَ الْحق عَن الْمُسْتَحقّين، وَيَأْخُذُونَ الرِّشْوَة، ويقطعون أوقاف الْمدَارِس والمساجد والرباطات، ووظائف الْعلمَاء والسادات وطلاب الْعلم.

فَإِذا كَانَ كَذَلِك، يمْنَع أَرْبَاب الْحَوَائِج عَن أَبْوَاب الْمُلُوك والسلاطين، وَيرْفَع الْعدْل، ويفشو الْجور، وتنفر طباع النَّاس عَن ذَلِك الْملك، وَيكون الْملك محروما عَن أدعية الصَّالِحين، وَيكون إِثْم جَمِيع مَا فعل من تَحت يَده على ذَلِك الْملك، لِأَن الْملك كَانَ سَببا لفعلهم، وَحِينَئِذٍ تخرب الْولَايَة، ويقذف الله تَعَالَى الرعب فِي قُلُوب جَيش الْملك، وَتذهب الْبركَة عَن الأرزاق، وَيكون الْملك خسر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، ويستولي على تِلْكَ المملكة الأعادي حِينَئِذٍ.

فَهَذِهِ الوقائع كلهَا تحصل فِي الدُّنْيَا بِسَبَب عدم النَّهْي عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي.

وَأما فِي الْآخِرَة فَيُطَالب الْمُلُوك عِنْد الله تَعَالَى بإيصال الْحُقُوق إِلَى مستحقاتها، يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون، إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم، وَيُحَاسب الْمُلُوك إِلَى مِقْدَار مِثْقَال ذرة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} . (الزلزلة ٧، ٨) .

وَأما الْحَالة الثَّالِثَة: وَهِي الْحَالة الَّتِي بَين الْمُلُوك وَبَين الله تَعَالَى، أما فِي الْعدْل: فَهِيَ أَن يَسْتَقِيم ظَاهره وباطنه وسره وعلانيته مَعَ الله تَعَالَى، وَيكون غَرَض الْمُلُوك فِي الْإِمَارَة والسلطنة رَضِي الله تَعَالَى، وإيصال الْحق إِلَى الْمُسْتَحق، وارتفاع الظُّلم والبدع عَن الْخَلَائق، لإرضاء أنفسهم وأصحابهم وَأَوْلَادهمْ وَأهل بَيتهمْ وأقاربهم.

<<  <   >  >>