للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَإِذا قصد الْكفَّار على الْمُسلمين، يفْرض على الْمُسلمين الْقِتَال مَعَهم، أما إِذا لم يقْصد الْكفَّار على الْمُسلمين، يجب على الْمُلُوك والسلاطين أَن يغزوا الْكفَّار، ويأخذوا أَمْوَالهم، ويفتحوا بِلَادهمْ، وَيكون غرضهم إعلاء كلمة الله تَعَالَى، وقهر أَعدَاء الله، وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام.

وَأما النَّهْي عَن الْفَحْشَاء، وَالْمُنكر، وَالْبَغي فِي الرّعية: فبأن ينْهَى الْمُلُوك، والسلاطين الْفُسَّاق، وَأهل الْفُجُور عَن الْفسق، والجور، وَالظُّلم، والتعدي على الرّعية، بعد أَن يكون الْمُلُوك والسلاطين لَا يظْلمُونَ بِأَنْفسِهِم على الرّعية، لِأَن الظُّلم وَإِن كَانَ حَقِيرًا فِي الدُّنْيَا يكون جَزَاؤُهُ عَظِيما فِي الْآخِرَة، كَمَا قيل: " الظُّلم ظلمات يَوْم الْقِيَامَة ".

حِكَايَة: كَمَا حكى أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام مر على قبر، فَرَأى فِيهِ عذَابا، فَدَعَا الله تَعَالَى أَن يحيي أهل هَذَا الْقَبْر، فأحياه الله تَعَالَى بقدرته، فَقَالَ لَهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: لم تعذب فِي الْقَبْر؟ قَالَ: كنت جَالِسا فِي سوق مصر، وَقد كنت تناولت شَيْئا، وَأَنا مُحْتَاج إِلَى الشظية - أَي الْخلال - فنزعت من حزمة رجل شَوْكَة، فشظيت بهَا أسناني، ومت مُنْذُ أَرْبَعَة آلَاف سنة، وَأَنا فِي عَذَابهَا، فَقَالَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - عِنْد ذَلِك: هَذَا عَذَاب الشظية، فَكيف عَذَاب صَاحب الْجذع؟ ثمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: كَيفَ وجدت الْمَوْت وَسَكَرَاته؟ قَالَ: يَا روح الله، مت مُنْذُ أَرْبَعَة آلَاف سنة، ومرارة الْمَوْت بعد فِي حلقي. فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَام - عِنْد ذَلِك: اللَّهُمَّ يسر علينا سَكَرَات الْمَوْت.

وَلِأَن الْملك إِذا لم يمْنَع أهل الْفسق، وَالظُّلم والجور عَن فسقهم وجورهم، وظلمهم على الرّعية، يَقع الْفِتْنَة وَالْفساد والجور فِي أَمْوَال الرّعية، وأزواجهم، وَأَبْنَائِهِمْ ومحارمهم، بِالزِّنَا، واللواطة، والخيانة، وَغير ذَلِك، فينتشر اسْم الْملك فِي الْعَالم بالقبح وَالظُّلم، ويختل أَمر الْمَعْرُوف وَنهى الْمُنكر، ويضعف أَمر الدّين، وَيَقَع الهوان والمذلة على أهل الْعلم، والزهد،

<<  <   >  >>