للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وايضا يَنْبَغِي للسلاطين والوزراء، أَن يجتهدوا أَولا فِي إحْيَاء الْخيرَات والأوقاف الَّتِي أجريت فِي الزَّمَان الْمَاضِي، ثمَّ بعد ذَلِك يجتهدون فِي ابْتِدَاء وضع الْخيرَات والأوقاف لأَنْفُسِهِمْ.

كَمَا حُكيَ أَن ملكا من الْمُلُوك الْمَاضِيَة كَانَ اسْمه صَلَاح الدّين - رَحمَه الله - وَكَانَ من عَادَته كلما فتح بَلْدَة ينشيء فِيهَا بِنَاء الْخيرَات، وَكَانَ لَهُ وَزِير مَعَ أَنه كَانَ قَاضِيا لَهُ صَالحا فَاضلا، فَلَمَّا فتح ذَلِك الْملك الْمصر قَالَ لوزيره: أُرِيد أَن أبني فِي الْمصر خانقاها، فَقَالَ الْوَزير للْملك: إِنِّي أُرِيد أَن يبْنى لملك الْإِسْلَام فِي الْمصر ألف بقْعَة خير.

فَقَالَ الْملك: كَيفَ يُمكن أَن يبْنى ألف بقْعَة خير؟ قَالَ الْوَزير: أدام الله - تَعَالَى - دولة الْملك، إِن فِي الْمصر ألف بقْعَة خير كُله خراب الْآن ومندرسة، فَإِن قصد ملك الْإِسْلَام أَن يَأْمر بِأَن يعمروا تِلْكَ الْبِقَاع الخربات، ويأخذوا أوقاف تِلْكَ الْبِقَاع من أيد المستأكلة، وَينصب ملك الْإِسْلَام مُتَوَلِّيًا بارعا متدينا كي يصرف الْأَوْقَاف مصارفها على الشَّرَائِط الَّتِي شَرطهَا الواقفون، يحصل ثَوَاب جَمِيع ذَلِك لملك الْإِسْلَام كثواب الْأَوْقَاف الَّتِي أَنْشَأَهَا ملك الْإِسْلَام، فَأمر ملك الْإِسْلَام صَلَاح الدّين - عَلَيْهِ الرَّحْمَة - بِأَن يعمروا رقبات الْوَقْف، ويصرفوا أوقافها على مصارفها، ثمَّ بعد ذَلِك وفْق الله - تَعَالَى - إِيَّاه أنشأ خيرات كَثِيرَة، تقبل الله مِنْهُ وشكر سَعْيه.

<<  <   >  >>