للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

امْنَعْ هَارُون الرشيد عَن المجئ عِنْدِي، لِأَنِّي أستحي من الله - تَعَالَى - بِسَبَبِهِ، لِأَن هَارُون أكل مَال الْخَلَائق بِغَيْر حق، وَقطع أنصباء الْمُسْتَحقّين، وجعلهم محرومين عَن حُقُوقهم، وَالْحَال أَنه جلس فِي الدُّنْيَا مَكَاني.

فَلَمَّا انتبها من النّوم حزن هَارُون الرشيد، فَسَأَلت زبيدة عَن حَاله، فَأَخْبرهَا كَمَا رأى فِي الْمَنَام، فَقَالَت زبيدة: إِنِّي رَأَيْت فِي الْمَنَام كَذَلِك، ثمَّ شكر الله تَعَالَى، فَلَمَّا كَانَ الْغَد فتح هَارُون أَبْوَاب الخزائن، ونادى الْمُنَادِي فِي السُّوق، فَقَالَ: يَا أَصْحَاب الْأَوْقَاف والوظائف والأنصباء، احضروا عِنْد هَارُون الرشيد فَحَضَرُوا عِنْده بِغَيْر حِسَاب، فقسم بَيت المَال جَمِيعًا لَهُم، وَلم يبْق شَيْء من بَيت المَال، فَقَالَت زبيدة: إِن بَيت المَال حق الْخَلَائق، فَلَا شكّ أَنهم يطْلبُونَ ذَلِك مِنْك، إِمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا فِي الْآخِرَة، فَمَا أدّيت خرجت بِهِ من عُهْدَة الْبَعْض الَّذِي منعت، وَأما أَنا إِن أنفقت من مَالِي وجهازي فلوجه الله تَعَالَى، فأنفقت ألف ألف دِينَار فِي سَبِيل الله تَعَالَى، وَأمرت أَن يعمر من بَاب " الْكُوفَة " إِلَى الْكَعْبَة منَازِل وآبارا، فَفعلت الْخيرَات فِي طَرِيق الْكَعْبَة الَّتِي لم يَفْعَلهَا قبل ذَلِك أحد، وَأمر لعمالها أَن يشتروا بباقي أموالها آلَات الْغُزَاة، ثمَّ أمرت أَن يشتروا بباقيها الْقرى والضياع والكروم والبيوت، ليَكُون هَؤُلَاءِ وَقفا لمجاوري الْكَعْبَة وَالْمَدينَة والقدس.

قيل: إِن الْقَوْم كتبُوا هَذِه الْحِكَايَة ونقلوها إِلَيْنَا قرنا بعد قرن ليعْمَل بهَا، فَإِذا كَانَ وجوب الْعَمَل ثَابتا بالرؤيا فَمَا جوابك إِن قَالَ الْحَكِيم: أما كَانَ كتابي عنْدك منزلَة الرُّؤْيَا؟ .

وَأما حَال الْوَزير فِي الْخصْلَة الثَّانِيَة وَهِي الْعُلُوّ مَعَ الرّعية: فَيَنْبَغِي للوزير أَن يكون مَعَ الرّعية ذَا همة عالية، وَلَا يتَوَقَّع من الرّعية شَيْئا، وَلَا يَأْخُذ من الرّعية رشوة لأجل قَضَاء حوائجهم، ويبذل مروءته وَكَرمه على الرّعية، ويوصل صلَاته إِلَيْهِم.

<<  <   >  >>