للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأما حَال الْوَزير فِي الْخصْلَة الثَّالِثَة وَهِي الثَّبَات مَعَ الرّعية: فَيَنْبَغِي للوزير أَن يكون مَعَ الرّعية ثَابت الْقدَم فِي أَحْوَال الرّعية، يَعْنِي كلما أعْطى الْأَمِير أحدا من الأجناد أَو الرّعية شَيْئا، أَو جعل الْأَمِير أَو السُّلْطَان أحدا على شغل من أشغال الْإِمَارَة، أَو فوض أحدا منصبا، فَلَا يُغير الْوَزير ذَلِك، وَلَا يُبدل، كي لَا يَقع التهاون فِي أَمر السلاطين بل يُقرر وَيثبت مَا أَمر السُّلْطَان، وَلَا يسمع الْوَزير كَلَام صَاحب الْأَغْرَاض على الرّعية بِغَيْر بَيِّنَة، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تصيبوا قوما بِجَهَالَة فتصبحوا على مَا فَعلْتُمْ نادمين} (الحجرات ٦) .

وَإِذا ثَبت جِنَايَة أحد، مثل الْقصاص على أحد أَو وجوب الْحَد على أحد، فَلَا يُؤَخر الْوَزير ذَلِك إِذا ثَبت عِنْد الْحَاكِم أَو عِنْد الْملك لقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله} (النُّور ٢) . لِأَنَّهُ إِذا أخر الْوَزير أَو القَاضِي أَو الْملك زواجر الشَّرْع عَن مُسْتَحقّه بالشفاعة أَو بالرشوة يفشو الظُّلم وَالْفساد فِي الرّعية، وَيطول أَيدي الظلمَة فِي الرّعية بِالْفَسَادِ، وَأخذ الْأَمْوَال، وَيفتح أَبْوَاب الْفسق.

وَيَنْبَغِي للسلاطين والوزراء أَن يفوضوا كل أَمر إِلَى مُسْتَحقّه، لِأَنَّهُ إِذا لم يُعْط الْأَمر إِلَى مُسْتَحقّه يفْسد الدّين وَالدُّنْيَا، وَيخرب الْولَايَة ويتفرق الرعايا.

وَأما حَال الْوَزير فِي الْخصْلَة الرَّابِعَة وَهِي التَّحَمُّل مَعَ الرّعية: فَيَنْبَغِي للوزير أَن يكون فِي التَّحَمُّل كعمود الْخَيْمَة، يَعْنِي يتَحَمَّل الْوَزير جَمِيع زحمات الرّعية والمملكة بالهمة والشفقة وَالرَّحْمَة على الرّعية، وَإِن صدر عَن الرّعية ذَنْب صَغِير بالسهو أَو الْخَطَأ يعْفُو الْوَزير ذَلِك عَنْهُم، وَلَا يكون ملولا فِي وَقت عرضهمْ أَحْوَالهم عِنْده، ويعرك أذن الْفُسَّاق والظلمة، ويؤدبهم، ليَكُون نصيحة على غَيرهم، وَيكون فِي قلبه أَنه يفعل جَمِيع الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة لأجل رِضَاء الله تَعَالَى، لَا لأجل رِضَاء الْأَمِير، وَلَا لأجل رِضَاء نَفسه، وَلَا لأجل رِضَاء غَيرهمَا.

<<  <   >  >>