للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ رجل لذِي النُّون الْمصْرِيّ: أوصني، فَقَالَ: " إِن أردْت أَن تذْهب قساوة قَلْبك فأدم الصّيام، وَإِن وجدت قساوة، فأطل الْقيام، وَإِن وجدت قساوة فذر الْحَرَام، وَإِن وجدت قساوة فصل الْأَرْحَام، فَإِن وجدت قساوة فالطف بالأيتام ".

اعْلَم أَن الْقلب عبارَة عَن قِطْعَة من دم جامدة سَوْدَاء، وَهُوَ مستكن فِي الْفُؤَاد، وَهُوَ بَيت النَّفس ومسكن الْعقل، وقساوة الْقلب عبارَة عَن عدم قبُول ذكر الله تَعَالَى، وَالْخَوْف، والرجاء، وَغير ذَلِك من الْخِصَال الحميدة، وَعدم هَذِه الْخِصَال لبعد النَّاس من الله تَعَالَى.

وَقَالَ رجل لحامل اللفاف: عظني، فَقَالَ: اجْعَل لدينك غلافا كغلاف الْمُصحف، لِئَلَّا يدنسه الْآفَات، فَقَالَ الرجل: مَا غلاف ذَلِك؟ قَالَ: ترك طلب الدُّنْيَا إِلَّا مَا لَا بُد مِنْهُ، وَترك مُخَالطَة النَّاس إِلَّا مَا لَا بُد مِنْهُ.

حِكَايَة: كَانَ لعمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - صحيفَة يكْتب جَمِيع مَا كَانَ يفعل فِي أُسْبُوع من الْخَيْر وَالشَّر، فَإِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة يعرض أَعمال الْأُسْبُوع على نَفسه، فَلَمَّا بلغ شَيْئا لم يكن فِيهِ رِضَاء الله - تَعَالَى - جعل يضْرب الدرة على نَفسه، وَيَقُول: لم فعلت هَذَا؟ فَلَمَّا مَاتَ وَأَرَادُوا إِخْرَاج ثِيَابه، فَإِذا ظَهره وجنبه مسودة من كثر الضَّرْب.

أوحى الله - تَعَالَى - إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: يَا دَاوُد، هَل تَدْرِي من أَغفر لَهُ ذنُوبه؟ قَالَ: من هُوَ يَا رب؟ قَالَ: الَّذِي إِذا ذكر ذنُوبه ارتعدت فرائصه، فَذَلِك العَبْد الَّذِي آمُر ملائكتي أَن تمحو عَنهُ ذنُوبه.

<<  <   >  >>