وَأما الْإِحْسَان فِي الرّعية بِأَن يُوصل آثَار الْكَرم والمروءة إِلَى الرّعية بِأَن يحسن للْفُقَرَاء، ويؤدب الْأَغْنِيَاء، ويداري بهم، وَيُعْطِي الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين، وَأَبْنَاء السَّبِيل، خُصُوصا الغرباء الَّذين جَاءُوا من بعيد بالمشقة، والزحمة، راجين من إحسانه وَكَرمه، ليحصل بذلك للْملك فِي الدُّنْيَا الثَّنَاء الْجَمِيل، وَفِي الْآخِرَة الْأجر الجزيل.
وَيَنْبَغِي أَيْضا أَن يوقر الْعلمَاء، وَيرْفَع عَنْهُم مؤنتهم، كي يشتغلوا بتَعَلُّم الْعلم وتعليمه، وَيكرم طلبة الْعلم بألوان النعم، وَيُعْطِي وظائفهم، وَيزِيد فِيهَا وَلَا يقطع وظائفهم، ويرغبهم فِي التَّعَلُّم والتحصيل، فَإِذا كَانَ كَذَلِك يكون الْمُلُوك فِي ثَوَاب علمهمْ مشتركين.
وَيَنْبَغِي للملوك أَن يحترموا أهل التصوف، والصلحاء، والزهاد، والعباد، ويتبركوا بدعائهم، ويغتنموا قَضَاء حوائجهم، ويعدوا لقاءهم غنيمَة عَظِيمَة، ونعمة من الله جسيمة، ويوصل الْملك إنعامه وإحسانه وصدقاته من الرزق الْحَلَال، أَو من بَيت المَال، أَو من الْخمس، إِلَى المجاورين فِي الخانقاه، والزوايا، والرباطات، من الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين. وَإِن لم يسْأَلُوا الْملك ويعرضوا أَحْوَالهم إِلَيْهِ، كي يشتغلوا بالحضور إِلَى عبَادَة الله تَعَالَى؛ لِأَن عمَارَة الدُّنْيَا وَزِيَادَة دولة السلاطين والأمراء قَائِمَة ببركة دُعَائِهِمْ.
وَأَيْضًا يَنْبَغِي للملوك أَن يَكُونُوا أشْفق الْخَلَائق؛ لِأَن الشَّفَقَة على خلق الله سَبَب لدُخُول الْجنَّة بعد الْإِيمَان، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لزيد: " بدلاء أمتِي لم يدخلُوا الْجنَّة بِكَثْرَة صَوْم، وَلَا صَلَاة، وَلَكِن دخلوها برحمة الله تَعَالَى، وسلامة الصُّدُور وسخاوة النُّفُوس، وَالرَّحْمَة لجَمِيع الْمُسلمين ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute