الشَّيْطَان، فَمن يَجْعَل جند الله - تَعَالَى - وَمَلَائِكَته أُسَارَى جند الشَّيْطَان، كَيفَ يعدل فِي غَيرهم؟ وَأول مَا تظهر شمس الْعدْل فِي الصَّدْر ثمَّ تَنْتَشِر نورها فِي أهل الْبَيْت فِي خَواص الْملك، فيصل شعاعها إِلَى الرّعية.
وَاعْلَم أَيهَا السُّلْطَان وتيقظ، أَن ظُهُور الْعدْل من كَمَال الْعقل، وَكَمَال الْعقل أَن ترى الْأَشْيَاء كَمَا هِيَ، وتدرك حقائق بَاطِنهَا، وَلَا تغتر بظاهرها.
مثلا: إِن كنت تجور على النَّاس لأجل الدُّنْيَا، فَانْظُر أَي شَيْء مقصودك من الدُّنْيَا؟ فَإِن كَانَ مقصودك أكل الطَّعَام الطّيب، فَيجب أَن تعلم أَن هَذِه شَهْوَة بهيمية فِي صُورَة آدَمِيّ، فَإِن الْحِرْص إِلَى الْأكل من طباع الْبَهَائِم.
وَإِن كَانَ مقصودك لبس الديباج، فَإنَّك امْرَأَة فِي صُورَة رجل، لِأَن التزين والرعونة من أَعمال النِّسَاء.
وَإِن كَانَ مقصودك أَن تمْضِي غضبك على أعدائك، فَأَنت أَسد أَو سبع فِي صُورَة آدَمِيّ، لِأَن إِمْضَاء غضب الْقلب من طباع السبَاع.
وَإِن كَانَ مقصودك أَن يخدمك النَّاس، فَإنَّك جَاهِل فِي صُورَة عَاقل، لِأَنَّك لَو كنت عَاقِلا لعَلِمت أَن الَّذين يخدمونك إِنَّمَا هم خدم وغلمان لبطونهم وفروجهم وشهواتهم، وَأَن خدمتهم وتواضعهم لأَنْفُسِهِمْ، لَا لَك، وعلامة ذَلِك أَنهم لَو سمعُوا إرجافا، أَن الْولَايَة تُؤْخَذ مِنْك وتعطى لسواك، لأعرضوا بأجمعهم عَنْك، وتقربوا إِلَى ذَلِك الشَّخْص، وَفِي أَي مَوضِع علمُوا الدِّرْهَم فِيهِ، خدموا وسجدوا لذَلِك الْموضع، فعلى الْحَقِيقَة لَيست هَذِه خدمَة وَإِنَّمَا هِيَ ضحكة، والعاقل من نظر فِي أَرْوَاح الْأَشْيَاء وحقائقها، وَلم يغتر بصورها، وَحَقِيقَة هَذِه الْأَعْمَال مَا ذَكرْنَاهُ، وأوضحناه، وكل من لَا يتَيَقَّن ذَلِك فَلَيْسَ بعاقل، وَمن لم يكن عَاقِلا، لم يكن عادلا، بل يكون ظَالِما، لَا تعمر الْولَايَة على يَدَيْهِ، ومقره النَّار، فَلهَذَا السَّبَب كَانَ رَأس مَال كل السَّعَادَة الْعقل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute