الشيخ: الحاصل أنه إذا لم يجد ربها وأراد سفراً فإن عين ربها أحداً مثل أن يقول للمُودَعِ إن سافرت فأعطها فلاناً فهنا يعطيها مَنْ عيَّنه له، وإن لم يعين أحداً فهل يقدم الثقة على الحاكم أو يقدم الحاكم على الثقة؟ كلام المؤلف صريح في أنه يقدم الحاكم على الثقة وقيل بل يقدم الثقة على الحاكم لأن الحاكم يتولى أشياء كثيرة وربما تضيع عنده أو ربما يعطيها الحاكم آخر ممن يحفظ بيت المال وما أشبه ذلك فكان إيداع الثقة أولى وينبغي أن يقال إنه ينظر إلى المصلحة لهذه الوديعة فإذا كان الحاكم ممن عُلم بالتهاون وعدم المبالاة إذا جاءه المال أعطاه خادمه الذي عنده وتهاون فيه فهنا يعطيها الثقة وإلا فالحاكم أولى، فإن لم يكن هناك حاجة إلى إيداعها فإنه لا يودعها لأن المُودَع ليس له أن يتصرف في الوديعة بإيداعها إلى غيره.
فصل
القارئ: ولا يجوز أن يودع الوديعة عند غيره لغير حاجة لأن صاحبها لم يرض أمانة غيره فإن فعل فتلفت عند الثاني مع علمه بالحال فله تضمين أيهما شاء لأنهما متعديان ويستقر ضمانها على الثاني لأن التلف حصل عنده وقد دخل على أنه يضمن وإن لم يعلم بالحال فقال القاضي يضمن أيهما شاء ويستقر ضمانها على الأول لأن الثاني دخل على أنه أمين وظاهر كلام أحمد أنه لا يملك تضمين الثاني لذلك.
الشيخ: الصواب هو ظاهر كلام الإمام أحمد لأن الثاني محسن وقد قال الله تعالى (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل) وهو لا يعلم أن هذه الوديعة عند غير صحابها بل ظن أن الذي أودعها هو صاحبها فيكون محسناً وقد قال الله تعالى (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل) فظاهر النص أولى من كلام القاضي رحمه الله.
القارئ: وإن دفعها إلى من جرت عادته بحفظ ماله كزوجته وأمته وخازنه لم يضمن لأنه حفظها بما يحفظ به ماله فأشبه حفظها بنفسه.