حتى وصل إلى ما لم يصل إليه نبي سواء، ونودي هناك بأنه أعلى الأنبياء مكانة وأقرب بني ادم إلى الله.
ويواصل الامام البوصيري تقديره وفخاره بالرسول الكريم وبمعجزته الثانية الاسراء والمعراج بأسلوب يمتزج فيه وقائع هذا الحدث العظيم بعاطفة الإمام البوصيري من حب وتقدير وشوق وانبهار بالرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم ويتميز هذا الجزء في البردة بأنه أرق الأجزاء اختيارا للألفاظ وأدقها تعبيرا عن المشاعر.
أما شوقي فيبدأ بداية تختلف عن الإمام البوصيري في شيء ويتفق معه في أشياء إذ يبدأ مدحه للرسول عليه الصلاة والسلام واظهار معجزاته ابتداء بقول جبريل عليه السلام للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في غار حراء عندما بدأ ابلاغه الوحي (اقرأ) وكيف يقرأ من لم يتعلم كيف يقرأ، وهذا شيء مستحيل، بل ومعجزة، فهذه هي أول المعجزات للنبي الكريم، واتخذ شوقي هذه المعجزة بداية للمعجزات جميعا لأنها في نظره أهم المعجزات، فهي أمر من الله للناس بالحض على العلم واعتباره في صدارة الأوامر الاسلامية، ثم ينتقل بعد ذلك إلى المعجزة الحسية الأولى في الاسلام وهي نزول القران الكريم، ويصف شوقي هذه المعجزة بأنها جاءت للناس بعد طول انتظار، وجاءت بما فيه خيرهم ولا تبديل يمسه، ولا تغيير يصيبه، فالله حافظا وكل الأنبياء والرسل السابقون على محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم جاؤا بايات وكتب، ولكن على مر السنين داخلتها الشوائب ولم يحفظها التاريخ بصورتها النقية كما نزلت من عند الله تعالى. أما القران فقد نزل ونزل معه تعهد واقرار وتأكيد من الله جل جلاله بأنه أنزل القران وأنه حافظ له لأن القران الكريم هو الدستور الذي لا يجب أن يبدله الخلق بل يجب عليهم الالتزام كل الالتزام بكل تعاليمه وبدقة متناهية وكيف لا وهو خاتم وأفصح الكتاب بيانا، وهو كما قال العرب ليس بنظم وليس بشعر وليس بكهانة، انما هو نثر محكم، وأفصح بيانا وهذا القران العظيم يتحدى كافة العرب أن يأتوا بمثله أو باية منه فلا يعرف فصحاء العرب وأصحاب اللغة أن يدركوا منه اية وهو إلى جانب هذا نسق صوتي يطرب السمع ويشفي النفس من أدرانها ويشرح الصدور