إذا رأته الأسد تسكت غما وخوفا وكمدا، ويستمر في أبياته المشيدة بالرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم وبجنوده المسلمين حتى ينتهي إلى أن الرسول الكريم لا يفارق جنوده فهو كالأسد مع أشباله يربيهم ويعلمهم ولا يفارقهم في السراء والضراء ثم ينهي الإمام البوصيري حديثه نهاية خاصة فيشير إلى هذا العلم الحربي والرسول الأمي وهذا التأدب باداب المعارك والحرب، وهو الطفل اليتيم الذي تربى في حجر جده وعمه، ونرى أن الإمام البوصيري على الرغم من حبه الزائد المفترض في كل مسلم كريم لم يكن موفقا في هذا الجزء توفيقه في الأجزاء الاخرى من قصيدته البردة أو أنه لم يوفق في رأينا لبعد المسافة بين ألفاظ عصره وألفاظ عصرنا، وان ايقاع القصيدة في هذا الجزء إيقاع بسيط لا يتناسب مع الغرض الفني وهو الجهاد، والجهاد يعني الحرب بسرعتها وكرها وفرها، أين هذا الشعر في غرض مشابه من شعر امرؤ القيس حين يقول:
أين هذا الايقاع السريع في قصيدة البوصيري، الايقاع ذو الكلمات ذات النسق الصوتي لوقع الأقدادم والكر والفر في الحرب فكأننا نحضرها. ومن أقوى أبيات هذا الجزء عند الامام البوصيري هو البيت الذي يقول فيه:
وسل حنينا، وسل بدار، وسل أحدا ... فصول حتفا لهم أدهى من الوخم
ولكننا نرى أن الإيقاع عند الامام البوصيري إيقاع بطيء بل شديد البطء ولا يعبر بأي حال عن لغرض المنوط بهذا الجزء- والذي سبق أن ذكرناه- أنه يجب على الشاعر في هذا الغرض وهو وصف الجهاد والمعارك أن يكون سريع الايقاع تعبر الألفاظ تعبيرا دقيقا عن التوتر والقسوة والقوة والسرعة ولكن من أين يأتي الامام البوصيري بهذا الاحساس النفسي وهو على ما عليه من درس وتفكير وشوق إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وزهد عن ملذات الحياة بل والوصول إلى حالة من حالات التصوف والوجد المعروف عن المتصوفة مما لا يعطيه الفرصة أن يكون صادقا في وصف الجهاد إلا من منظور فلسفي أو نظري وهذا ما استطاع الإمام البوصيري أن يكتبه في هذا الغرض وان كنا لا نشك في رغبة الامام أن يكتب أجود الكلم