للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وراعها وهى في الأعمال سائمة ... وان هى استحلت المرعى فلا تسم «١»

كم حسنت لذة للمرء قاتلة ... من حيث لم يدر ان السم في الدسم

والمراد من الهوى الذي يصم أو يصم هنا اللذة القاتلة وهي اللذة الدنيوية التي يقدم عليها الإنسان وتأمره النفس الإمارة بالجرى وراءها، ولكن ذلك يقضى عليه، ولذا يطالب المرء أن يخالف هذه النفس ويردها عن غيها وينصرف عما تقويه فيه وتزينه له من مغريات الدنيا، وقد يكون ذلك ابتلاء وتذكره له ليستغفر ربه ويرجع إليه فيعيش مطمئنا خالى البال بعيدا عن نزوات الشياطين.

ومن البيت الثامن والعشرين يبدأ البوصيري حديثه كعادة الشعراء العرب الأولين بالتشوق إلى الديار والجيران وعلى نحو ما فعله كعب في ميميته وبردته الأولى التي كانت نبراسا للشعراء من بعد.

ويستمر البوصيري في قصيدته قائلا:

واخش الدسائس من جوع ومن شبع ... فرب مخمصة شر من التخم «٢»

واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت ... من المحارم والزم حمية الندم «٣»

وخالف النفس والشيطان واعصهما ... وان هما محضاك النصح فاتهم «٤»

ولا تطع منهما خصما ولا حكما ... فأنت تعرف كيد الخصم والحكم

فيوجه الإمام المجتمع إلى أخذ الحذر من مغبة الدسائس والفتن التي تحاك وهي لا تختلف بعضها عن بعض، ويستوى الأمر بين أن تملى الدسيسة على المرء


(١) سائمة: راعية أي متعاطية، فلا تسم: أي فلا تمكنها من الرعي وتسم من السموم وهو الرعي في العشب المباح.
(٢) الدسائس: هي الشبهة الخبيثة، مخمصة: جوع، التخم: جمع تخمة وهي امتلاء البطظن بالأكل وثقلة عليها.
(٣) المحارم: المحرمات، حمية الندم: الاحتماء بالندم والتوبة من الوقوع في المحارم، وأصل الحمية عن الشيء هي الامتناع عنه.
(٤) محضاك النصح: اخلصا لك النصح، فاتهم: أي فاتهمهما بالغش وقابلهما بسوء الظن لأن اخلاصهما من الأمور المستحيلة.

<<  <   >  >>