للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخير والنعيم أو تجعله على طرف الفقر فيرفض المرء هذا وذاك ويخاطبه فيقول:

إذا كان رائدك هو الشيطان وقائدك هو النفس فلا تطع أيا منهما لأن النفس من جنود الشيطان، وأن الشيطان ذو كيد عظيم، والنفس وسيلة لتنفيذ كيده. وإن زين لك الشيطان أمرا وحفزتك النفس لفعل معصية ورسمت لك طريقا سهلا فلا بد أن تعود إلى عقلك ورشدك وتحكم إيمانك وترغب عن طريق الأمارين بالسوء وبذلك تنجو من بؤس الدنيا وتنال ثواب الاخرة، ويقول له: ثم اسكب دموع الندم على فعلة فعلتها وهي محرمة، واحتم بالتوبة، وأقلع عن تكرارها والوقوع فيها. ويتفق الإمام البوصيري مع ما هدف إليه كعب من معاناة وإن كانت معاناة كعب خاصة ومعاناة الإمام البوصيري عامة، ثم ينتقل الإمام البوصيري بعد ذلك ليعتذر إلى خير البرية فيقول:

استغفر الله من قول بلا عمل ... لقد نسبت به نسلا لذى عقم «١»

امرتك الخير لكن ما ائتمرت به ... وما استقمت فما قولى لك استقم

ولا تزودت قبل الموت نافلة ... ولم أصل سوى فرض ولم أصم «٢»

فيدعو المرء للاستغفار عما يعلنه من قول بلا عمل، ولم يكن له من هم سوى الحديث عن الناس وكشف أسرارهم، وينصحه بأن يتزود قبل فوات الأوان بحسنات قد تنفعه يوم القيامة، وليسأل نفسه ما إن كان قد أدخر لنفسه عملا صالحا يلقي به الله.

فهذه الأبيات مليئة بالحكمة والتوجيه والإرشاد إلى التمسك بمباديء وأهداف الإسلام والقيم الإنسانية. ويقول:

ظلمات سنة من أحيا الظلام إلى ... ان اشتكت قدماه الضر من ورم

وشد من سغب احشاءه وطوى ... تحت الحجارة كشحا مترف الادم «٣»


(١) ذي عقم: العقيم من لا يولد له.
(٢) تزودت: اتخذت زادا، نافلة: النافلة العمل الصالح على سبيل التطوع.
(٣) السغب: الجوع، الكشح: هو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف وهي أقصر الأضلاع واخرها وهي من لدن السرة إلى المتن، مترف: المنعم ويقصد به المكان الناعم من الجلد، والادم: الجلد.

<<  <   >  >>