للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وراودته الجبال الشم من ذهب ... عن نفسه فأراها أيماشمم «١»

وأكدت زهدة فيها ضرورته ... ان الضرورة لا تعدو على العصم «٢»

وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من ... لولاه لم تخرج الدنيا من العدم

فالرسول صلّى الله عليه وسلّم هو القدوة، والرسول (صلّى الله عليه وسلّم) هو الإمام الأعظم، والرسول (صلّى الله عليه وسلّم) لا ينطق عن الهوى، والرسول (صلّى الله عليه وسلّم) هو القائل: (أديني ربي فأحسن تأديبي) ، محمد هو صفوة الباري وخير خلقه، مدحه ربه سبحانه وتعالى بقوله الحق «وأنك لعلى خلق عظيم» ، ونبى هذه صفاته وهذه أصول تربيته وهذا منطقه وهذا سلوكه، ألا يكون أسوة حسنة؟ فيا أيها المؤمنون الذين امنتم بمحمد، ويا أيها المنكرون الذين كابرتم وعاندتم وأنكرتم بعثته وراعتكم دعوته حتى لم تعودوا تبصرون أو تحكمون العقل لتعلموا أنه يدعو إلى الحق، وأنه الصادق الأمين، وأنه الصابر العابد، وأنه الجلد الثابت، وأنه الزاهد في عرض الدنيا، ولو تحولت له جبالها ذهبا. إنه يدعوكم لما يحييكم، ويبشركم بجنة عرضها السموات والأرض، وهو الشفيع يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وهو الذي اثر أن يكون مع المؤمنين فيعيش مثلهم ويحيا حياتهم ويتألم لالامهم، وكيف لا؟. وهو الذي أرسله ربه بشيرا ونذيرا وقائدا ملهما، وهكذا تظهر إنسانية الرسول عليه الصلاة والسلام.

ولعل الإمام البوصيري هنا يتمثل بصبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم حينما قاطعته قريش، في صبره على ما هو فيه من مرض وعلة، ويدعو الله لأجل رسوله أن يحن عليه ويتفضل بشفائه، وهو زاهد عن هذه الدنيا وملذاتها، ولذته في التقرب إلى الله وفي التمسك بسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.


(١) راودته: خادعتهخ، الشم: العالية الشامخة الجلد الشمم والاباء.
(٢) ضرورته: حاجته، العصم: يكسر العين وفتح الصاد جمع عصمة وهي الحفظ أي أن الحاجة والضرورة لا سبيل لهما على من عصمه الله وحفظة.

<<  <   >  >>