للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم يقول:

لم يمتحنا بما تعى العقول به ... حرصا علينا فلم نرتب ولم نهم «١»

أعيا الورى فهم فليس يرى في الق ... رب والبعد فيه غير منفحم «٢»

كالشمس تظهر للعينين من بعد ... صغيرة وتكل الطرف من أمم «٣»

ويريد الإمام البوصيري بهذا أن يؤكد وضوح الرسالة النبوية فيقول أنها رسالة سمحة واضحة ليس فيها ما يحير العقول ولا ازدواج يجعل الناس ترتاب ولا كهانة تجعلهم يتوهون في أسرار كالنحل القديمة.

وشبه الرسالة المحمدية بالشمس في نجليها واضحة تبدو صغيرة على البعد ولكنها أن اقتربت منها تكل طرفك ولا تستطيع النظر إليها والإحاطة بها وكذلك معنى هذه الرسالة فعلى الرغم من وضوحها الشديد فإنه يحتاج إلى فهم ومعاناه من يريد الوصول والوقوف على الحقيقة الواضحة الكاملة.

ويقول البوصيري:

وكيف يدرك في الدنيا حقيقته ... قوم نيام تسلوا عنه بالحلم

فمبلغ العلم فيه أنه بشر ... وانه خير خلق الله كلهم

وكل اى أتى الرسل الكرام بها ... فانما اتصلت من نوره بهم «٤»

فانه شمس فضل هم كواكبها ... يظهرن أنوارها للناس في الظلم «٥»

فيطلب الإمام الشاعر إظهار حقيقة كانت خافية على الناس فعندما بعث محمد عليه الصلاة والسلام ولم يدرك قومه مكانة هذه الرسالة ولم يكن الرسول


(١) نرتب: حالة الجزم من نرتاب أي نشك، نهم: فضل بفتح النون وكسر الهاء من وهم يهم إذا أخطأ وسها.
(٢) أعى: أتعب وأعجز، منفحم: مغلوب بالحجة وقبل أن المنفحم هو الساكت عجزا في المناظرة.
(٣) تكلل: تتعب، من أمم: من قرب.
(٤) مبلغ العلم: غايته.
(٥) اي: جمع اية أي معجزة.

<<  <   >  >>