أن صدر قرار بإيفاده في بعثة دراسية إلى فرنسا ليدرس الحقوق، واختار له جامعتي مونبلييه وباريس ليلتحق بهما على التوالي، ونصحه بألا يغافل عن دراسة الأدب الفرنسي إلى جانب دراسته للحقوق، ولعل (توفيقا) كان يهدف من ذلك أن يصقل شوقي موهبته الشعرية ليصبح فيما بعد شاعر القصر (وأحاطت بالشاعر مظاهر العناية والرعاية ذلك أن الخديوي قد كتب إلى مدير البعثة المصرية في فرنسا يأمره بالاهتمام بأمر شوقي) ، وكانت باريس تعج أثناء إقامة شوقي بالمذاهب الأدبية والفنية المختلفة، فضلا عن النشاط المسرحي العريض، فجذب ذلك (شوقي) الذي خضع على وجه الخصوص لشعر شعراء ثلاثة هم:
(فيكتور هيجو، والفريد دي موسيه ولا مرتين) .
وبعد أن نال شوقي إجازة الحقوق عاد إلى وطنه فألحق بالديوان الخديوي حيث ظل موضع رعاية الخديوي عباس الثاني ونشأت بين حاكم مصر والشاعر علاقة ود وثيقة تمثلت في إيفاد شوقي في بعض مهامه السياسية، ويحب الخديوي شاعره، ويختار له زوجة، هي أبنة رجل ثري كريم، فتتحسن أحواله، وتقبل عليه الدنيا، ويظل الشاعر متعلقا بولي نعمته.
وفي عام ١٩١٤ «١» نفى الشاعر إلى اسبانيا ومكث في منفاه خمس سنوات.
وحين أعلنت الهدنة إثر الحرب العالمية الأولى، أصبح من حقه أن يتجول في أسبانيا حسبما يريد، فتنقل بين مدنها الكبيرة، وشاهد اثار مجد العرب والعروبة في جنتهم المفقودة، وحاز لنفسه ثقافة تاريخية عميقة بفضل ما قرأ من تاريخ العرب في الأندلس، وأخذ يتعمق في دراسة الشعر الأندلسي واستيقظت روح الشاعر بعد سبات عميق وامتد بصره إلى أعماق تاريخ العرب.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، تلكأت الحكومة المصرية بوحي من الإنكليز في استدعاء الشاعر من منفاه، وما أن بلغ القاهرة حتى خرج الشعب المصري عن بكرة أبيه يستقبله ويحتفي به، ولقد حمله على الأعناق والدموع تنهمر من العيون إذ اعتبره شعبه بطلا من أبطاله، لا يهادن الاستعمار ولا يتواطأ مع