للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على عرش إمارة الشعر العربي بقية حياته.

وكان شوقي يتمتاع برؤية حضارية لافتة للنظر ومثيرة للبحث والتقصي، فإنه واسع الاطلاع، وملم إلماما واعيا بتاريخ مختلف الأمم ولا سيما تلك التي يتصل تاريخها اتصالا مباشرا بتاريخنا العربي والإسلامي، ومن الطبيعي أن ينحاز شوقي في أغلب أشعاره إلى حضارة أمته العربية إزاء مواجهة الحضارات الاخرى، واحتفى بالتراث الكلاسيكي اليوناني والروماني، كما احتفى بتراث أمته العربي والإسلامي.

وقد ألم شوقي بشيء من فكر أرسطو السياسي وربما اطلع على نظام الاثينيين وإلا فكيف نفسر قول شوقي في الهمزية النبوية مخاطبا الرسول صلّى الله عليه وسلّم: -

داء الجماعة من ارسطاليس لم ... يوصف له- حتى أتيت- دواء

فرسمت بعدك للعباد حكومة ... لا سوقة فيها ولا امراء

فالشاعر يقول أن أفكار أرسطو السياسية لم تحل مشكلة الحكم حتى تفاقمت على مر العصور وحتى جاءت الرسالة النبوية ورسمت للناس حكما لا سوقة فيه ولا أمراء أي أن الحكومة الإسلامية هي الحل لكل مشاكل السياسة، ومن المدهش حقا أن شوقي يبدي الماما عميقا ببعض دقائق الفكر الأغريقي، ففي ثنايا حديثه عن الديانة الإسلامية السمحة الغراء يقول في الهمزية أيضا ما يثير الانتباه ويلفت النظر:

بنيت على التوحيد وهي حقيقة ... نادى بها سقراط والقدماء

وليس غريبا أن يعرف شوقي قصة سقراط (٤٦٩- ٣٩٩ ق م) الذي حوكم بعد أن الصقت به تهمة افساد الشباب والاعتقاد في الهة غريبة غير تلك الالهة التقليدية التي كان يؤمن بها أهل زمانه في أثينا، إن قصة سقراط هذه مشهورة ولا شك أن شوقي قد عرفها.

وتأثر شوقي بشعراء عرب قدامى كثيرين منهم ابن زيدون الذي نجد التقارب عظيما بينه وبين شوقي، ويظهر هذا التقارب في نونية شوقي التي عارض

<<  <   >  >>