للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشريعة الإسلامية العليا التي بني على أساسها هذا الدين، فالواجب على كل المسلمين رجالا ونساء أن يراعوا ذلك في كافة شئونهم، والله وحده المستعان.

شبهه: زعم بعض الناس أن مخالفة الكفار مستحبة لا واجبة، وأن الصحيح هو كراهة التشبه بالكفار لا تحريمه، واستدل على دعواه بورود نصوص تبنى أحكاما شرعية معللة بمخالفة الكفار وهذه المخالفة مستحبة لا واجبة، فمسلك الجمع بينها وبين النصوص الدالة على الوجوب إنما هو القول بكراهة التشبه فقط، لأن هذا الجمع يقدم على النسخ والترجيح، وجواب ذلك من وجوه.

الأول: أن المقرر عند جمهور الأصوليين والفقهاء أنه إذا وردت نصوص تدل على تحريم شيء وردت نصوص أخرى تدل على جوازه، وجب العمل بالنصوص الدالة على التحريم لأنها ناقلة عن البراءة والإباحة التي كان الناس عليها أول الأمر، قبل ورود الخطر.

الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" صريح الدلالة على تحريم التشبه بالكفار، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: "أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ" وذكر منهم "وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ" (١).

وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثوبين معصفرين، فقال: "إن هذا من لباس الكفار فلا تلبسهما قلت: أغسلهما؟ قال: لا، بل أحرقهما"، والإحراق فيه إتلاف مال متقوم، وهذا ينافي القول باستحباب المخالفة.

الثالث: أن الجمع لا يصار اليه عندما تكون النصوص محتملة غير صريحة، وفيما عدا ذلك يصار إلى النسخ أو الترجيح.

الرابع: أن ما تقتضي الأدلة رجحانه هو تحريم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم، وقد يرد في بعض المسائل ما يصرف هذا الحكم إلى الكراهة فلا يلغي ذلك الأصل بل يخصص في هذه المسائل بعينها، والعلم عند الله تعالى.


(١) رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <   >  >>