للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرجل الذي قد سمع منه ويسمع من غيره عنه ما لم يسمعه منه فيدلسه يري أنه قد سمعه منه، ولا يكون ذلك أيضًا عندهم إلا عن ثقة.

فأما من دلس عن غير ثقة وعمن لم يسمع هو منه فقد جاوز حد التدليس الذي رخص فيه من رخص من العلماء) (١) .

والملاحظ هنا أن يعقوب بن شيبة قال: (فأما من دلس عن غير ثقة وعمن لم يسمع هو منه فقد جاوز حد التدليس) فلم يجعل مجرد رواية المحدث عمن عاصر تدليسًا، وإنما تعد كذلك إذا دلس أي إذا قصد الإيهام على السامعين أنه سمع والحقيقة أنه لم يسمع سواء عاصر المروي عنه أم لم يعاصره فكل ذلك يعد تدليسًا للإيهام المصاحب للرواية وليس لمجرد روايته لذلك، وهذا واضح في كلام ابن شيبة لقوله: (فأما من دلس) .

وأما ابن عبد البر فقال: (واختلفوا في حديث الرجل عمن لم يلقه مثل مالك عن سعيد بن المسيب، والثوري عن إبراهيم النخعي، وما أشبه هذا، فقالت فرقة: هذا تدليس، لأنهم لو شاءا لسميا من حدثهما، كما فعلا في الكثير مما بلغهما عنهما، قالوا: وسكوت المحدث عن ذكر من حدثه مع علمه به دلسة.

قال أبوعمر: فإن كان هذا تدليسًا، فما أعلم أحدًا من العلماء سلم منه، في قديم الدهر ولا في حديثه اللهم إلا شعبة بن الحجاج ويحيى بن سعيد القطان.

وقالت طائفة من أهل الحديث: ليس ما ذكرنا يجري عليه لقب التدليس، وإنما هو إرسال، قالوا: وكما جاز أن يرسل سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن أبي بكر وعمر، ولم يسمع منهما، ولم يسمع منهما، ولم يسم أحد من أهل العلم ذلك تدليسًا، كذلك مالك عن سعيد بن المسيب) (٢) . ... وليس في كلام ابن عبد البر ما يفيد أن المرسل الخفي أقبح التدليس، وإنما حكى الخلاف في هل تعد رواية المحدث عمن لم يلقه تدليسًا أم لا؟


(١) الكفاية للخطيب (ص٤٠٠) .
(٢) التمهيد (١/١٥-١٦) .

<<  <   >  >>