للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصواب في هذه المسألة الأخيرة أن التدليس لابد فيه من قصد الإبهام من قبل المدلس فإذا لم يوجد الإبهام من الراوي فلا يصح أن ينسب للتدليس، حتى فيما يرويه المحدث في بعض ما لم يسمعه عن شيخه الذي لقيه وسمع منه إذا لم يكن هناك إبهام فلا ينسب للتدليس، ومثال ذلك أن سعيد بن المسيب ثبت أنه سمع من عمر أحاديث قليلة، وقد روى عن عمر علمًا كثيرًا حتى سمي راوية عمر (١) ، مع علمنا أنه لم يسمع كل هذا من عمر، ورغم ذلك لم ينسب للتدليس لأنه لم يوهم من سمع منه أنه قد سمع كل ما رواه عن عمر لاشتهار قلة سماعه من عمر وصغر سنه عند وفاته رضي الله عنه، ومن ذلك أيضًا ما قاله أبوداود: (كان ابن سيرين يرسل وجلساؤه يعلمون أنه لم يسمع، سمع من ابن عمر حديثين، وأرسل عنه نحوًا من ثلاثين حديثًا) (٢) .

لذا قال الخطيب البغدادي في المدلس: (وإنما يفارق حاله حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمع منه فقط) (٣) .

وأما ما ذكره المعلمي من أن الإرسال الخفي أقبح من التدليس فوجهة نظر لا يوافق عليها، ولم أجد أحدًا قال مثل ذلك في أقوال أهل العلم ما يخالف ذلك، فقد قال الخطيب البغدادي: (الإرسال لا يتضمن التدليس لأنه لا يقتضي إبهام السماع ممن لم يسمع منه، ولهذا المعنى لم يذم العلماء من أرسل الحديث وذموا من دلسه) (٤) .

وقال العلائي: (كل مدلس مرسل ولا ينعكس إلا على القول الضعيف الذي حكاه ابن عبد البر فيما تقدم) (٥) . ثم قال: (التدليس موهم للاتصال، وليس متصلاً، ولهذا ذمه كثير من العلماء حتى قال شعبة لأن أزني أحب إلي من


(١) انظر تهذيب التهذيب (٤/٨٥-٨٦) .
(٢) الجزء الرابع والخامس من سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود (ص٢٠٢) . "رسالة ماجستير" تحقيق عبد العزيز آل عبد القادر.
(٣) الكفاية (ص٣٩٥) .
(٤) الكفاية (ص٣٩٥)
(٥) جامع التحصيل (ص٩٨) .

<<  <   >  >>