ولقد رأينا منذ قليل أن معظم الجمل في اللغة العربية تتخذ أدوات خاصة تلخّص العلاقة بين أجزائها, ونضيف هنا أن رتبة أدوات الجمل جميعًا هي الصدارة, كما أن رتبة حرف الجر هي التقدم على المجرور, ورتبة حرف العطف هي التقدم على المعطوف, ويتقدم حرف الاستثناء على المستثنى, وواو المعية على المفعول معه, وواو الحال على جملة الحال, فكل أداة في اللغة الفصحى تحتفظ برتبة خاصة, وتعتبر الرتبة هنا قرينة لفظية تعين على تحديد المعنى المقصود بالأداة, فالصدارة هنا هي الفارق الوحيد في الرتبة بين الأداة وبين الظرف؛ لأن الظرف يتقدّم على مدخوله نحو: "أزورك متى أهلَّ رمضان", ولكن هذا الظرف إذ تعدَّدَ معناه الوظيفي فأصبح أداة شرط لزم الصدر في الجملة فتصير الجملة الشرطية: "متى أهل رمضان أزرك", ولا تكون متى في الشرط إلّا في هذا الموضع, فهذه إحدى السمات التي تميز الأداة من الظرف ومن غيره من أقسام الكلم.
٢- من حيث التضام: الأدوات جميعًا ذات افتقار متأصِّل إلى الضمائم؛ إذ لا يكتمل معناها إلّا بها, فلا يفيد حرف الجر إلّا مع المجرور, ولا العطف إلّا مع المعطوف, حتى أدوات الجمل مفتقرة إلى ذكر الجملة كاملة بعدها, ولا تحذف الجملة حين تحذف وتبقى الأداة بعدها إلّا مع القرينة التي يمكن بها فهم المراد, فتحل القرينة في إيضاح معنى الأداة محل الجملة.
٣- من حيث الرسم الإملائي: الأدوات كالضمائر منها المنفصل ومنها المتصل, فإذا كانت الأداة على حرف واحد كانت أداة متَّصلة بما يأتي بعدها من ضميمة مثل: باء الجر في "بمحمد", ولامه في "لمحمد", وكذلك في "به" و"له", أما إذا جاءت الأداة على أكثر من حرف واحد فإنَّ النظام الإملائي يفصلها في الكتابة عن ضميمتها مثل: "عن محمد" و"على محمد", فأمَّا "منه" و"عنه" و"عليه" فالوصل هنا للضمير لا للأداة, فإن الضمير حين أصبح على حرف واحد لحق بما قبله, وأما في "به" و"له" فإن كل واحد منهما لحق بالآخر لاحتياج كلّ منهما إلى الاتصال, وقد سبق لنا أن قلنا: إن هذه الخاصية لا تتسم بها الأفعال؛ لأن فعل الأمر مثلًا قد يصبح على حرف واحد, ومع ذلك يكتب مستقلًّا نحو: "ق نفسك" و"ع درسك".