ولا ينبغي لنا عند وصل الأداة أن نعتبرها إحدى اللواصق؛ لأن الفرق بين الأداة المتصلة وبين اللاصقة أن الأداة إذا حذفت بقي بعدها ما اتصلت به دالًا على معناه الذي كان له, وأما اللاصقة فإذا فصلناها عمَّا لصقت به فإن زوال الإلصاق يزيل معنى صرفيًّا أو نحويًّا كان عند وجود الإلصاق؛ كالتثنية أو الجمع أو التكلم أو الخطاب أو الغيبة أو التأنيث. ولو أزلنا حرف المضارعة عن المضارع ما ظلَّ مضارعًا, ولو أزلنا التاء المبنية على الضم من صيغة الماضي لزال معنى التكلم منه, ولو أزلنا الألف والنون من المثنى لزال منه معنى التثنية, أم الفعل الماضي في "ما قام زيد" فإنه يبقى على فعليته ومضيه عند زوال "ما", ولكن الذي يتأثّر بزوال "ما" هو معنى النفي, وهو معنى الجملة كلها لا معنى الماضي فقط.
٤- من حيث التعليق: سبق أن ذكرنا أن المعاني التي تؤديها الأدوات جميعًا هي من نوع التعبير عن علاقات في السياق, وواضح أن التعبير عن العلاقة معنى وظيفي لا معجمي. فلا بيئة للأدوات خارج السياق؛ لأن الأدوات كما ذكرنا ذات افتقار متأصّل إلى الضمائم, أو بعبارة أخرى: ذات افقتار متأصل إلى السياق, وسنرى عند دراسة النظام النحوي أن الأدوات من أهم وسائل التعليق في اللغة, وقد أشرنا إلى ذلك منذ قليل أيضًا. ولم يكن النحاة على خطأ حين أصروا على تعيين متعلق خاصّ للجار والمجرور في الإعراب, بل إنهم لما رأوا الظروف تسلك مسالك الأدوات أحيانًا قالوا بتعليق الظرف أيضًا, أما من وجهة نظرنا فإن التعليق لا يقتصر على الظرف والجار والمجرور, وإنما هو وظيفة الأدوات جميعًا. فالعاطف والمعطوف متعلق بالمعطوف عليه وواو المعية ومتبوعها متعلقان بالمصحوب وهلم جرا. وحين يكون الربط بين أجزاء الجملة كلها يكون معنى الأداة هو ما يسمونه "الأسلوب", كحين يتكلمون عن أسلوب النفي أو الشرط أو الاستفهام, فالربط هنا بما تحمله الأداة من وظيفة الأسلوب, ومن هنا تكون الأداة إحدى القرائن اللفظية شأنها شأن الرتبة والصيغة والمطابقة وغير ذلك مما سنراه عند الكلام عن نظام النحو. فإذا عرفنا أنَّ التعبير عن العلاقة لا يأتي بواسطة الاسم ولا الصفة ولا الفعل ولا الخالفة, عرفنا أيضًا أن الأداة تنتمي إلى طائفة الكلمات التي يعبّر بها عن المعاني العامة, إما مباشرة أو بصورة