٣- والشعبة الثالثة: دراسة النحو, وقد حاولوا فيها تقسيم الكلام وبيان علامات كل قسم, ثم كشفوا عن المعرب والمبني من هذه الأقسام, وشرعوا بعد ذلك في بيان الأبواب النحوية في داخل الجملة, وما يمتاز به به كل باب من علامات يعرف بها, وبينوا بعض المعاني الوظيفية التي تؤديها العناصر اللغوية؛ كالتذكير والتأنيث, والتعريف والتنكير, والإفراد والتثنية والجمع, والتكلم والحضور والغيبة, وكالصرف وعدمه, والعلامة الإعرابية, وهلم جرّا.
والمعروف أن هذا الجانب التحليلي من دراسة النحو لا يمسّ معنى الجملة في عمومه, لا من الناحية الوظيفية العامة كالإثبات والنفي والشرط والتأكيد والاستفهام والتمني ... إلخ, ولا من ناحية الدلالة الاجتماعية التي تنبني على اعتبار المقام في تحديد المعنى, وإن كانت تمس ناحية من نواحي الترابط بين أجزاء الجملة بروابط مبنوية أو معنوية ذكروها فرادى ولم يعنوا بجمعها في نظام كامل كالذي فعلته في هذا البحث تحت عنوان التعليق.
والذي نريد أن نخلص إليه هنا أن دراسة النحو كانت تحليلية لا تركيبة, أي: إنها كانت تعنى بمكونات التركيب, أي: بالأجزاء التحليلية فيه أكثر من عنايتها بالتركيب نفسه. أقصد أنهم لم يعطوا عناية كافية للجانب الآخر من دراسة النحو وهو الجانب الذي يشتمل على طائفة من المعاني التركيبية والمباني التي تدل عليها, فمن ذلك مثلًا: معنى الإسناد باعتباره وظيفة, ثم باعتباره علاقة, ثم تفصيل القول في تقسيمه إلى إسناد خبري وإسناد إنشائي, وتقسيم الخبري إلى مثبت ومنفي ومؤكد، وتقسيم الإنشائي إلى طلبي وغير طلبي.. إلخ, مما يتصل بتحديد التركيب المناسب لكل إسناد من حيث الأداة والرتبة والصيغة والعلاقة. وللتعليق وسائله المختلفة؛ معنوية كانت كعلاقات الإسناد ذاته, وكالتخصيص والنسبة والتبعية, أو لفظية للتعبير شكليًّا عن هذه العلاقات؛ كالعلامة الإعرابية والربط والمطابقة والصيغة والرتبة والأداة والنغمة, وذلك مع تحديد مجالات المطابقة في العلامة الإعرابية، والنوع والعدد والشخص والتعيين على نحو ما سنراه بالتفصيل عند تناول القرائن اللفظية في دراسة التعليق في موضعه