من هذا الكتاب, مع العناية الواجبة في كل ذلك بالمعالم السياقية باعتبارها ظواهر لا تبدو إلّا في التركيب.
ولقد كان على النحاة من حيث المبدأ أن ينظروا إلى التحليل باعتباره طريقًا للوصول إلى التركيب, ذلك بأن المادة المدروسة تصل إلينا حين تصل في صورتها المركبة, ولكن الاعتبارات العملية لدراسة هذه المادة تفرض على هذا السياق المركّب أن ينحلّ إلى أصغر مكوناته وعناصره حتى يمكن الوصول إلى الخصائص التحليلية لهذه العناصر. والنتائج التي يوصل إليه بواسطة التحليل تحمل في طيها زعمًا اعتباطيًّا بصدقها واطرادها حتى في السياق, ولكن هذا ليس أكثر من زعم, وكان على النحاة أنفسهم أن يدركوا ذلك, وأن يعلموا أن هذا الزعم لا مبرر له إلّا الاعتبارات العملية للبحث, وأن نتائج النظر إلى السياق تفرض عناصر جديدة على المكونات التحليلية, هي حلول لما قد يكون بين النظام وبين السياق من تضارب، أو هي بعبارة أخرى معالم سياقية, أو ظواهر موقعية لا وجود لها إلّا في السياق المنطوق وبسببه. ولكن النحاة لم يفطنوا إلى طبيعة التعارض الممكن حدوثه بين النظام ومطالب السياق, أو بعبارة أخرى: التعارض بين مطالب التحليل ومطالب التركيب, فوقعوا في أخطاء منهجية, كان من أخطرها ما سنشير إليه فيما بعد عند دراسة الزمن النحوي, من أن النحاة درسوا زمن الأفعال على المستوى الصرفي وهي في عزلتها عن التراكيب, ولم يختبروا نتائج دراستهم إلّا في تركيب الجملة الخبرية البسيطة, فرأوا الماضي ماضيًا دائمًا, والمضارع حالًا أو استقبالًا دائمًا, فوضعوا بذلك قواعدهم الزمنية, ثم اصطدموا بعد ذلك بأساليب الإنشاء والافصاح, فنسبوا وظيفة الزمن إلى الأدوات وهي منه براء, وإلى الظروف وهي تفيده معجميًّا لا وظيفيًّا, وسنرى ذلك مفصلًا في مكانه من هذا الكتاب. كذلك لم يفطن النحاة إلى أهمية بقية الظواهر السياقية في تحديد المعنى النحوي على نحو ما سنرى فيما بعد.
وإذا كان النحو على الصورة التي شرحتها هو تقعيد أبواب المفردات, فقد كانت الحاجة معه ماسَّة إلى دراسة أبواب الجمل, ولما ظهر