وهذا الكلام يفهم على وجهين أحدهما صرفي والآخر نحوي, ويمكن لنا أن نضع خطة الفهم الصرفي على النحو الآتي:
المعنى المبنى العالمة
التأنيث التاء على إطلاقها التاء في أبت
فالتأنيث معنًى صرفي من معاني التصريف على نحو ما أسلفنا, ففهم بيت الألفية على هذا النحو فهم صرفي, ولكننا نستطيع أن نفهم هذا البيت أيضًا من زاوية النحو وهي زاوية العلاقات السياقية, ويكون ذلك كما يأتي:
المعنى المبنى العلامة
المطابقة في التأنيث بين الفعل والفاعل التاء على إطلاقها التاء في أبت
ويبدو أن ابن مالك أحسَّ ضرورة وزن الشعر فجعل كلمة "أنثى" في مكان كلمة "التأنيث" أو حتى "المؤنث", فالتأنيث هو المعنى والمؤنث مبنًى له, ولكن تحته فروعًا هي مبانٍ فرعية أيضًا, فقد يعبر عن المؤنث بالتاء أو بالألف المقصورة أو الممدودة, أمًّا الأنثى فلا علاقة لها بكل ذلك؛ لأن معناها الأكبر هو "الأنوثة" وليس التأنيث, والأنوثة ضد الذكورة وهما في الطبيعة, والتأنيث ضد التذكير وهما في اللغة. أما قول بن مالك في مكان آخر: "أو مفهم ذات حر" فليس مردّه إلى ضرورة وزن الشعر كما كان الاحتمال هنا, وإنما مرده إلى الخطأ الموروث من تفكير النحاة, ويتضح الفرق بين التأنيث والأنوثة من أن "الأرض" مؤنثة وليست أنثى.
والذي يبدو من هذا التصوير للصلة بين المعنى النحوي والمبنى الصرفي والعلامة المنطوقة أو المكتوبة ما يأتي:
١- إن جميع ما نسميه المعاني النحوية هو وظائف للمباني التي يتكوّن منها المبنى الأكبر للسياق.
٢- إن المباني المتعددة في السياق هي مفاهيم صرفية لا نحوية.
٣- إن العلامة المنطوقة أو المكتوبة ليست جزءًا من نظام الصرف أو نظام النحو, ولكنها جزء من الكلام, ويمكن توضيح ذلك كما يأتي: