والغاية التي يسعى إليها الناظر في النص هي فهم النص, ووسيلته إلى ذلك أن ينظر في العلامات المنطوقة أو المكتوبة, فيرى دون جهد كبير أن هذه العلامة من نوع مبنى كذا, فسيعلم مثلًا أن التاء في "أبت هند الأذى" من نوع التاء المطلقة التي تذكر القواعد أنها تلحق بالفعل, وسيعلم دون كبير عناء أن الألف في "قفا = قفن" غير الألف في "قليلًا" من قوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} وإن أتت كلتا الألفين قبل الوقف مباشرة وجاءت كلتاهما عن نون ساكنة, فالألف الأولي جاءت عن نون التوكيد الخفيفة والثانية عن التنوين. وسيعلم الناظر في "قام زيد" أن خصوص لفظ "زيد" هنا ينتمي إلى عموم الاسم المرفوع, فخصوص اللفظ علامة, وعموم الاسم المرفوع مبنى, وسيعلم الناظر أيضًا أن خصوص لفظ "ما" في قولنا: "ما أحسن زيدًا" ينتمي إلى مفهوم عام هو "ما" على إطلاقها.
فإدراك المبنى بواسطة النظر إلى العلامة لا يعد من العمليات العقلية الكبرى في التحليل, وإنما تأتي الصعوبة عند إرادة تعيين المعنى بواسطة المبنى, فلقد أشرنا من قبل إلى أن المعنى الوظيفي متعدد بالنسبة للمبنى الواحد, فبالنسبة لكلمة "قفا" التي أوردناها منذ قليلٍ يمكن للألف أن تكون ألف الاثنين, أما بالنسبة للاسم المرفوع فمن المعاني الصالحة له الفاعل ونائبه والمبتدأ والخبر إلخ, وأما بالنسبة لمبنى "ما" فقد رأينا من قبل أنها تصلح على إطلاقها للشرط والاستفهام والموصول والمصدرية وأن تكون كافة أو زائدة إلخ, بل إنها في هذا الموضع بالذات رأينا أن النحاة اختلفوا فيها بين أن تكون:
أ- نكرة تامَّة بمعنى "شيء".
ب- استفهامية.
جـ- معرفة ناقصة بمعنى "الذي".
د- نكرة ناقصة وبعدها صفة.
وإن كانوا اتفقوا على أنها اسم وأنها مبتدأ, والمغزى من وراء كل ذلك أنّ ما يتسم به المعنى الوظيفي للمبنى الواحد من التعدد والاحتمال يجعل الناظر