ربطا مقصودًا, وهما أمران لا يهتم بهما الفيلسوف كثيرًا، لأن التأملات الفلسفية عودت نفسها في الغالب على الاتجاه إلى الشق المعجمي من المعنى, وهذا الشق خاص بالكلمات المفردة فقط.
وأما المناطقة -وقد سبقت إشارة سريعة إليهم عند الكلام عن الأصوليين- فقد انشغلوا بالمعنى على مستوى المنطق الشكلي الأرسطي الذي لم يفصل فيه بين المنطق وبين اللغة من وجهة النظر الدراسية. فلقد خلط أرسطو أول الأمر بين هاتين الدراستين, فتكلم في اللغة كلامًا منطقيًّا, وتكلَّم في المنطق كلامًا لغويًّا، واختلط في ذهن المناطقة الشكليين النظر إلى الموضوع, والمحمول بالنظر إلى المسند إليه والمسند، وبنى المنطق قضاياه العقلية من جمل لغوية, وخلط بين القواعد النحوية والنتائج المنطقية, فسمّى كلتيهما "أحكامًا", وأصبحت قواعد النحو من ثَمَّ "أحكامًا" نحوية, فوقع الفكر في أسر اللغة كما وقعت اللغة في أسر المنطق. وكان من الخير لكلٍّ منهما أن يستقلّ بطريقة علاجه لقضاياه؛ لأن منطق اللغة ومقولاتها يختلفان تمامًا عن منطق الفكر ومقولاته, واللغة آخر الأمر نمطية صياغية لا تخضع للفكر, وإنما تخضع لمقتضيات الرمز العرفي الاعتباطي, فليس في الفكر ما يبرر تقسيم الأشياء بين التذكير والتأنيث حتى الجمادات منها, وليس فيه ما يبرر تقسيم العدد النحوي إلى "مفرد" للفرد, و"مثنى" للاثنين, ثم شمول كل عدد بعد الاثنين تحت عنوان موحد هو "الجمع". وليس في الفلك ما يسمح بدلالة "فَعَلَ" على المستقبل في نحو قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح} وهلم جرّا، والمعروف أن اللغة أضيق من الفكر، وهذه دعوى تتضح عند التصدي للترجمة من لغة إلى لغة أخرى. فلا شك في أن المترجم العربي يجد صعوبة في ترجمة كلمة أجنبية مثل Standardization أو كلمة Monads أو كلمة transendental, كما لا أشك في أن المترجم الإنجليزي يجد صعوبة في ترجمة بعض الكلمات العربية مثل:"المدبر" و"المكاتب" و"الجذعة" و"الظعينة" و"الحيزبون" و"أهل الخطة". والمغزى الواضح لذلك أن كل لغة في العالم إنما تسمّي تجارب مجتمعها, وتقصر دون تسمية تجارب المجتمعات الأخرى, وبذا تضيق عن أن تشمل مجالات الفكر