الإنساني في عمومه, بل لا تشمل فكر الأفراد أنفسهم؛ حيث يقف الفرد أحيانًا ولديه فكرة دقيقة يريد أن يعبر عنها فيتخلف به عدم الكلمات عن بلوغ غايته, وبهذا يظهر لنا أن الفكر أوسع من اللغة, وأن في ربط المنطق واللغة برباط واحد ظلمًا لهما جميعًا.
ولقد تعددت وجهة نظر المناطقة إلى المعنى من حيث هو معنى كلمة واحدة مفردة, أو معنى قضية, أو نتيجة منطقية تؤخذ من مقدمات؛ فالمعنى في نظرهم يبدو تارةً في صورة الماجري والماصدق, وتارةً أخرى في صورة المطابقة والتضمن واللزوم, وتارةً ثالثة في صورة التعريف, ورابعة في صورة الحكم في صورة علاقات رياضية يعبر عنها برموز جبرية تقصد بها كميات أو مدلولات غير محددة, ولكنها صالحة للتحديد كرموز الجبر تمامًا. ومن هنا نرى المعنى المنطقي محدد الدلالة أحيانًا كالتعريف, أو غير محددها كالرمز الجبري, وواضح أن المعنى بالنسبة للمنطق كما كان بالنسبة للأبيستيمولوجيا معنى ذهني غير عرفي, أي: إنه حكم يحدده الفكر الفردي للفيلسوف أو المنطقي, وليس علاقة عرفية اعتباطية يحددها المجتمع كما سنرى في المعنى اللغوي.
والفئة الثالثة التي نظرت في المعنى هي فئة علماء النفس, سواء في ذلك الميتافيزيقيون منهم والتجريبيون والتحليليون. والمعنى في نظر هؤلاء أيضًا غير عرفي ولا اجتماعي, ولكنه خاضع للتكوين النفسي للفرد, فيخضع تارة للغرائز, وتارة أخرى لغريزة واحدة بعينها تعتبر أهم هذه الغرائز, وقد يخضع للعقل الظاهر أو العقل الباطن, وقد يخضع للحاجات العضوية أو غير العضوية مما يحسّه الفرد, وقد يرتبط بظرف معين فيصاحبه وجودًا وعدمًا بطريقة تولدية١ آلية على مثال تجربة بافلوف.
أما علماء الرمز فقد حاولوا أن يقسِّموا معنى الرمز إلى طبيعي وذهني وعرفي, فقالوا: إن المعنى الذي يدركه المرء من النغمة الموسيقية معنى ناشئ
١ أقصد بالتولد هنا: رد الفعل renction على طريقة استخدام الكلمة في مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري.