على طبيعة النغمة نفسها, فإذا كانت على صورةٍ ما أفهمت الحزن, وإذا كانت على صورةٍ أخرى أفهمت الفرح مثلًا، وكذلك يدل البرق والرعد على احتمال المطر والصواعق, كما تدل الخضرة على وجود الماء. أما المعنى الذي يفهم من الأثر الذي يدل على سالك الطريق, وكذلك دلالة آثار المجرم على شخصه, فهي معنى ذهني, وأما دلالة الكلمة بالوضع على ما تستعمل له فدلالة عرفية.
والأدباء والنقاد يهتمون بالمعنى الفني الجمالي لا بالمعنى العرفي, بل إن بعض أصحاب المذاهب الأدبية جاهروا بعدائهم للمعنى العرفي في الأدب, ونادوا بالعدول عنه إلى معنى آخر فني جمالي طبيعي يتصل أشد الاتصال بمعنى النغمة الموسيقية الذي تكلمنا عنه منذ قليل, هؤلاء هم الرمزيون، وهم بهذا يدخلون في تقويم المعنى بمقاييس مما وراء منهج اللغة, بل مما وراء المنهج السائد في النقد.
وللدراسات اللغوية الحديثة اهتمام خاص بدراسة المعنى, يقويه ويدعمه أن المعنى في نظر الدراسات صدًى من أصداء الاعتراف باللغة كظاهرة اجتماعية, ونتيجة لتشابك العوامل المختلفة في إطار سياق الثقافة الشعبية من عاداتٍ وتقاليد وفلكلور وأغانٍ ومناهج عمل وطرق معيشة وهلم جرّا. فاللغة أداة اجتماعية يوجدها المجتمع للرمز إلى عناصر معيشته وطرق سلوكه, ولذا يحدد طرق هذه اللغة واستعمالاتها, ويضعها موضع الظاهرة الاجتماعية, فيصدق عليها ما يصدق على كل ظاهرة اجتماعية أخرى من الخضوع لظروف التعارف وللتصويب والتخطئة بحسب هذا التعارف. ولقد كانت العناية بهذا الجانب الاجتماعي للغة سببًا في اعتبار "المقال" عنصرًا واحدًا من عناصر الدلالة لا يكشف إلّا عن جزء من المعنى الدلالي, وينقصه أن يستعين بالمقام الاجتماعي الذي ورد فيه المقال حتى يصبح المعنى مفهومًا في إطار الثقافة الاجتماعية, أو بعبارة أخرى: ثقافة المجتمع. ومن هنا أيضًا دعت الحاجة المنهجية إلى تشقيق المعنى إلى ثلاثة معانٍ فرعية, أحدها: المعنى الوظيفي, وهو وظيفة الجزيء التحليلي في النظام أو في السياق على حد سواء. والثاني: المعنى المعجمي للكلمة, وكلاهما متعدد ومحتمل خارج السياق, وواحد فقط في السياق, والثالث: المعنى