وإذا كان الكلام لا يدرس منفصلًا عن اللغة إلّا عند اعتباره عملًا صوتيًّا بحتًا مقطوع الصلة بالمعنى, كما يحدث عند فحص المرضى بالحصر والعيوب النطقية والنفسية الأخرى, واختبار أصوات المغنين والمذيعين وقبولهما في الإذاعة، فإن الدراسة اللغوية للكلام تجعله -حتى على هذا المستوى الصوتي- على صلة باللغة, ولا بُدَّ أن يكون كذلك من حيث قصد به أن يدل على معنى, ودراسة أصوات الكلام "المفيد الدال على معنى" إذا اقتصرت على ملاحظة المخارج والصفات وتسجيلها فحسب, فهي مقدمة لدراسة اللغة, ولكنها ليست من صلب دراسة اللغة, أو بعبارة أخرى: هي دراسة للكلام وليست دراسة للغة, ذلك بأن هذه الملاحظات والتسجيلات لا تتصل باللغة إلّا حين يتمّ تنظيمها والربط بينها في نظام صوتي كاملٍ تعرف فيه علاقات المخارج وعلاقات الصفات إيجابًا وسلبًا, وتعرف فيه الظواهر الموقعية التي يتطلبها ورود هذه الأصوات المدروسة في السياق. ونريد الآن أن نشرح ما تردد من قبل من أن اللغة منظّمة من مجموعة من الأنظمة؛ منها: النظام الصوتي, والنظام الصرفي, والنظام النحوي, فما المقصود بالنظام هنا؟
المعروف أن الجسم الإنساني جهاز حيوي واحد ذو وظيفة معينة, ربما صحَّ أن نسميها "تحقيق الوجود البيولوجي" للإنسان, ولكن هذا الجهاز الحيوي مركَّب من أجهزة فرعية كالجهاز الهضمي والعصبي والإفرازي والدوري والتنفسي وغير ذلك. وهذه الأجهزة جميعًا تقوم بوظائف يمكن فهم كلٍّ منها على حدة إذا نظرنا إلى الجهاز الذي يؤديها مستقلًّا عن بقية الأجهزة, ولكن هذه الأجهزة لا يستقلّ أحدها عن بقيتها من الناحية العملية؛ إذ يجري بينها نوع من تنسيق الوظائف والتكافل في نطاق الجهاز الحيوي الأكبر ولصالحه. وكما أنّ جسم الإنسان جهاز أكبر مكون من أجهزة فرعية نجد اللغة جهازًا أكبر مكونًا من أجهزة فرعية, والخلاف الوحيد بين هذا الجهاز الأكبر وذاك أن الجسم جهاز حيوي وأن اللغة جهاز رمزي عرفي. وكما أنّ المرء يستطيع فهم الأجهزة الفرعية في الجسم مستقلًّا بعضها عن بعض في الذهن لا في الحقيقة, يمكن أن يفهم المرء الأجهزة الفرعية في اللغة فرادى، مع أنَّ وظائفها لا تتحقق عمليًّا إلّا والأجهزة متناسقة متكاملة متكافلة في إطار