اللغة، فلا يقوم جهاز منها مستقلًّا عن بقيتها إلّا في مقام الوصف والتحليل. وكما أن وظيفة الجسم الإنساني هي تحقيق الوجود البيولوجي للفرد, نجد وظيفة اللغة تحقيق الوجود الاجتماعي للفرد نفسه.
فاللغة إذن منظمة عرفية للرمز إلى نشاط المجتمع, وهذه المنظمة تشتمل على عدد من الأنظمة -وقد سميناها من قبل بالأجهزة- يتألف كل واحد منها من مجموعة من "المعاني" تقف بازائها مجموعة من الوحدات التنظيمية أو "المباني" المعبرة عن هذه المعاني، ثم من طائفة من "العلاقات" التي تربط ربطًا إيجابيًّا، والفروق "القيم الخلافية" التي تربط سلبيًّا -بإيجاد المقابلات ذات الفائدة- بين أفراد كل من مجموعة المعاني أو مجموعة المباني, وكما أن "المعاني" الصرفية غير المعاني النحوية على نحو ما سنرى بعد قليل, نجد "المباني" تتنوع بين فرعٍ وآخر من فروع الدراسات اللغوية.
فالمباني المأخوذة من النظام الصوتي حروف phonemes, وهي في النظام الصرفي وحدات صرفية morphemes, ويعتمد النحو في التعبير عن معانيه وعلاقاته السياقية على هذين النوعين من المباني كالحركات والحروف والزوائد واللواصق والصيع. وأما "العلاقات" الرابطة، و"القيم الخلافية" المفرقة فهي عناصر هامة جدًّا في نظام اللغة بعامة, على أن "القيم الخلافية" وهي المقابلات, أو نواحي الخلاف بين المعنى والمعنى, أو بين المبنى والمبنى, أهم بكثير جدًّا من العلاقات الرابطة؛ لأنها أقدر من تلك العلاقات على تحقيق أمن اللبس, وهو الغاية القصوى للاستعمال اللغوي، فإنه ليمكن الزعم أن كل نظام لغوي ينبني أساسًا على مجموعة من القيم الخلافية التي يدونها لا يكون اللبس مأمونًا ولا الكلام مفهومًا. وقد كان ابن مالك محقًّا حين لخَّص هذه القضية في شطرة واحدة من ألفيته تقول:
"وإن بشكل خيف لبس يجتنب".
فالجهاز الصوتي أو النظام الصوتي للغة يدرسه علم "الصوتيات" phonology مستخدمًا في دراسته العناصر الآتية: