شبيهًا بعمل صاحب الصوتيات الذي يهتم من الحركات والآثار النطقية بما لكلٍّ منهما من وظائف, وبما بين كل واحدة منها وبين الأخرى من علاقات, ويضعها جميعًا في إطار فهم معين. فعالم الأصوات مسجل, وعالم الصوتيات مفسِّر ومنظم, وأولهما يلاحظ والثاني يُقَعِّدُ.
فعلم الأصوات دراسة عملية لموضوع مدرَكٍ بالحواس؛ لأن حاسة النظر ترى من حركات الجهاز النطقي حركة الشفتين والفك الأسفل وبعض حركات اللسان, ثم ترى كذلك بعض الحركات المصاحبة التي تقوم بها عضلات الوجه, وحاسَّة السمع تدرك الآثار السمعية المصاحبة لهذه الحركات العضوية, فتميز انحباس الهواء وتسريحه بعد انحباسه, واحتكاكه بأعضاء الجهاز النطقي بسبب تضييق المجرى عند نقطة معينة من هذا الجهاز, وحرية مرور الهواء عند عدم الحبس والتضييق, واختلاف قيمة الصوت عند اختلاف شكل حجرة الرنين, وكون النطق مجهورًا حينًا ومهموسًا حينًا آخر, وهلم جرا مما تستطيع الحواس أن تدركه, سواء أكان الشخص الذي يدرك هذ المحسوسات على معرفة باللغة التي يستعملها المتكلم أم لا. ولا شك أن كل واحد منَّا قد جرّب ذات مرة أن يستمع إلى متكلمٍ بلغة غير مألوفة له أنه لاحظ حركات المتكلم وسمع صوته وما يعرو كلًّا منهما من تغير تدركه الحواس, حتى إنه قد يسلي نفسه أحيانًا بتقليد أصوات هذه اللغة غير المفهومة التي تعتَبر بالنسبة إليه "رطانة".
هذا بالنسبة لمن لا خبرة له بعلم الأصوات, فإذا كان له تدريب في الاستماع والملاحظة والتسجيل والوصف, فإن موقفه -ولو كان يجهل اللغة المسموعة أيضًا- لا بُدَّ أن يلحقه بعض التغيير, وإنه لا يقنع في هذه الحالة بتسلية نفسه بمحاولة تقليد الرطانة, وإنما يصغي إلى ما يسمعه من كلام فيسجّل أصواته بالكتابة الصوتية, ثم يعيد سماعه من شريط تسجيل أو أسطوانة, فيكرر الاستماع إلى الجملة مرات متعددة ليتحقق بذلك من حسن ملاحظته ودقة تسجيله, ثم يصف الأصوات التي سمعها وصفًا علميًّا من الناحيتين الحركية والسمعية, وقد يستخدم في توثيق ملاحظته منهجًا آليًّا مما يستخدم في معمل الأصوات, ولكنه لا يحاول أن ينظم هذه الأصوات في مجموعات تقوم كل مجموعة