ويظهر أن سيبويه كان على وعي تامٍّ بأن دراسة الأصوات مقدمة لا بُدَّ منها لدراسة اللغة، وأن النظام الصوتي ضروري لمن أراد دراسة النظام الصرفي, بل لعله كان يرى في النظام الصوتي جزءًا لاحقًًا، أو من دراسة الصرف نفسها, حتى إنه حين وضع الدراسات الصوتية تحت عنوان:"باب الإدغام" قد كشف عن وجهة نظره هذه من جهة, وقيد دراسة الأصوات وضيَّق مجالها من جهة خرى. وتأتي دعوى تضييق سيبويه لمجال دراسة الأصوات من أن الإدغام ليس جزءًا من النظام الصوتي, وإنما هو ظاهرة موقعة سياقية ترتبط بمواقع محدَّدة يلتقي في كلٍّ منها صوتان؛ السابق منهما ساكن والتالي متحرك, فإذا تحقَّقت صفات خاصة في الصوتين جميعًا تحققت بذلك ظاهرة الإدغام كما فهمها سيبويه. ولكن سيبويه مهَّد لدراسة الإدغام بدراسة الأصوات العربية تحت العنوان نفسه:"باب الإدغام", فتناول هذه الأصوات بالوصف من حيث المخرج وطريقة النطق والجهر والهمس والتفخيم والترقيق, ناظرًا إلى الصوت في حالة عزلة عن السياق, تاركًا سلوك الصوت في السياق إلى دراسة الإدغام نفسه, ناهجًا في ذلك كله نهج النحاة -وهو من كبار أئمتهم- عندما درسوا الزمن النحوي؛ حيث نسبوا للصيغة في عزلتها زمنًا صرفيًّا, ولكنهم حين رأوا لها في السياق زمنًا آخر قد لا يطابق الزمن الصرفي جعلوا ينسبون الزمن إلى عناصر غير الأفعال وما جرى مجراها, فقد نسبوه إلى الأدوات وإلى بعض الجهات كالقلب والتنفيس وإلى بعض الظروف كذلك.
ولقد اتجه سيبويه وأصحابه عند النظر في استنباط الحروف من الأصوات اتجاهًا عكس ما يراه المحدثون، فسوف نرى في دراسة الصوتيات أن اتجاه البحث الحديث إنما يكون من الأصوات إلى الحروف؛ إذ ينظم الباحث ما لديه من أصوات جرت ملاحظتها ووصفها فيبوبها إلى مجموعات تسمى كل مجموعة منها حرفًا, وذلك كأن يجمع الأصوات المختلفة الدالة على النون مع