للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"تين" في ذلك، فقد أراد ذلك الناقد الفيلسوف أن يضع للأدب قوانين يفسره بها، ورد تلك القوانين إلى الزمان والمكان والبيئة، وطبق قوانينه على الأدب الإنجليزي. وهب جميع ذوي النظر السليم ضد هذا العلم الذي لا يستقيم. وإنك لتقرأ في كتب المدارس بفرنسا ردودا على تلك المحاولة لا تستطيع دفعها. والزمان والمكان والبيئة لا يمكن أن تفسر لنا التفاوت الكبير بين بيير كورني وأخيه توما كورني، وأندريه شينييه وأخيه ماري جوزيه شينييه، فهؤلاء إخوة اتحدوا في الزمان والمكان والبيئة، ثم اختلفوا في كل ما عدا ذلك، ومنهم من طبق مجده الآفاق كبيير كورني، وأندريه شينييه، ومنهم من لا نذكره اليوم إلا للتاريخ كتوما كورني وماري جوزيه شينييه، ثم كيف نعلل في أدبنا تفاوت أبي تمام والبحتري أو الفرزدق وجرير، بل كيف نفسر في الأدب أصالة كل كاتب، مع أن الأصالة بتعريفها ذاته شيء لا يرد إلى غيره وهي مجموعة من الخصائص التي تتميز بها روح عن روح، وأنا على ثقة من أن كل علوم الأرض لن تفسر ذلك الشيء الدفين الذي يميز روحي عن روح غيري، والعبرة بعد ليست باتحاد الزمان والمكان والبيئة، بل بطريق استجابة كل نفس لهذه المؤثرات، وتلك الطرق أصيلة في النفوس الأصلية.

وخلق الأدب أو الإنتاج هو الآخر لا يمكن أن يفسره علم النفس، لا القائم منه على الملاحظة الداخلية، ولا الذي يدرس في المعامل؛ وذلك لأن علم النفس لا يسعى إلا إلى إدراك القوانين النفسية العامة التي قد تفسر حياة الأفراد العاديين إذا صح أن هؤلاء يتشابهون. والذين يخلقون الأدب -كما قلت- نفوس أصيلة لكل نفس منها حقائق، فكيف نريد أن نطبق عليهم قوانين علم النفس العامة التي أشك أكبر الشك في صحتها بالنسببة للعاديين من الناس. نعم إن هناك محاولات قد عملت في علم النفس الفردي، وهذه تتناول بالدرس حياة الأفراد في حدود ما تتميز به تلك الحيوات. ولكن هبنا أقمنا تلك الفروق فأين لنا بنسبها، والوجود كله مجموعة من النسب؟ أليس الأجدى -وتلك حالتنا- أن ندرس طرق إنتاج كل كاتب في نفسه، واقفين عند خصائصه هو مع حرصنا الشديد من كل تعميم مخل؟ وأما عن محاولة فاليري فالذي لاحظه كل من استمع لمحاضراته بالكلوليج دي فرانس هو أن نفسه الخاصة هي التي كانت موضع تحليله وإن ساق الحديث على نحو عام، فهو عندما يتحدث عن خلق الصور واقتناص الفنان لتلك الصور قبل أن تأخذ دلالتها العقلية، يتضح أنه

<<  <   >  >>